اشتهر الرومان بنظامهم المائي وبرعوا في بناء القنوات والجسور والبرك والآبار، وحفظت الحضارة الاسلامية التي تلت وزادت عليها، ورافق هذه الآثار التاريخية المعمارية إرثاً اجتماعيًا وحياتياً حتى أصبح نمطاً وأسلوباً ثقافياً سائداً في كافة أنحاء الريف الفلسطيني أينما توافرت الينابيع والعيون وعندما كان الفلاح فارس الأرض وسيدها وصاحب الينابيع ومالكها والحريص على حفظها والعناية بها ورعايتها، وكان التعاون والترابط وكثير من العادات والتقاليد ضرورة لاستمرار الحياة وحفظ البيئة بالفطرة السليمة
ومن أشهر الأماكن التي تعتبر متحفاً واقعياً وعملياً حياً لهذه الآثار القديمة التي ما زالت تحافظ على وظيفتها وحيويتها ومثالاً ونموذجاً لأقدم نظام للري وتوزيع عادل للمياه في فلسطين، هي قرية بتير، التي تقع جنوب غرب مدينة القدس، ويخترق أراضيها الزراعية خط سكة الحديد الذي تعهدت بشقه شركة فرنسية عام 1880 أيام الحكم العثماني من القدس إلى يافا، وكانت قبل عام 1948 محطة بتير هي آخر محطة للريف المقدسي قبل المحطة المركزية في مدينة القدس، وتلي بتير في اختراق سكة الحديد لأرضها قرية الولجة المدمرة ثم قرية بيت صفافا التي شطرت الى نصفين بالأسلاك الشائكة بسبب مرور سكة الحديد من وسط البلدة وكان ذلك من عام 1948 - 1967 م
وقد كانت هذه المحطة سببًا في دخول المحطة وتوابعها من القرى التي يمر بها خط سكة الحديد إلى الجانب الإسرائيلي كقرية الولجة المدمرة، إلا أن قرية بتير وبفضل مقاومة شعبية من القيادة المحلية حسن مصطفى عمل على تنجية وتخليص هذه البلدة الأرض والماء والسكان عندما تقررت الهدنة وقد كان حق المرور للقطار فقط هو المسموح به.
وهذه سابقة وطنية ليس لها مثيل حتى الآن
منظر عام لقرية بتير النموذجية عام 1955 حيث تظهر مدرسة البنات في الوسط وأسفل منها القوس الروماني الأثري تصب منه الماء في البركة الأثرية وقد رممت القنوات والبركة
نبذةعنقريةبتير
قرية بتير جبلية تمتد على حزام صخري وعر المسالك يعلو وادي بتير الأخضر الخصيب يرتوي بماء الينابيع الصافية، وفي القرية آثار رومانية اسلامية قديمة كغيرها من قرى فلسطين القديمة
وأما سكان بتير وأهلها فهم جزء من عشيرة بني حسن التي تقطن جنوب غرب بيت المقدس في قرى بتير والولجة، بيت صفافا، الجورة، المالحة، عين كارم، خربة اللوز، وسطاف، ودير ياسين، شرفات، بيت جالا
يعمل أهل بتير في زراعة الخضر والفاكهة وقد اشتهرت منتوجاتهم ومحاصيلهم بالجودة حتى بات الباعة يقرنون اسمها باسم انواع الخضر ترويجاً لبضاعتهم، فقد عرف الباذنجان (بالبتيري) والحقيقة أن أهلها اكتسبوا خبرة متميزة في معالجة الأرض وإعدادها وزراعتها علماً أن زراعة الخضر تحتاج إلى العناية الحثيثة الدائمة والري المنظم والتسميد الطبيعي
أصبحت بتير محجاً للسياحة الثقافية وهذه صور لدورات المعلمات الصيفية من كل البلاد يتعرفن على ما يجري من نهوض وتنمية ورعاية للتراث والهوية
أما مصادر الماء في القرية فهناك نبعين أساسيان دائماً الجريان بلا انقطاع هما عين بتير وعين جامع، وهناك مجموعة من الينابيع الضعيفة السيلان تتجمع المياه ببطء في بركها الأثرية الصغيرة وتروي أراضي محيطة بها أقل من النبعين الأساسين مثل عين أبو الحارث وعين عمدان وعين القصير وعين الهوية وعين أباسين
وقد تميزت قرية بتير عن غيرها من قرى فلسطين بأن حظيت منذ الأربعينيات من القرن الماضي برعاية أحد أبنائها رائد تنمية المجتمع في فلسطين والأردن والعالم العربي رائد (العونة) والعمل التطوعي في سبيل المصلحة العامة، حيث قام المرحوم في 13 آب 1950 بأول مشروع يتعلق بالري قبل الهجرة عام 1948 بمد قناة الماء من العين إلى أسفل الوادي بدل القنوات الترابية وكانت عين بيتر في عهد الانتداب قد ضبطت مائها في مواسير ومحابس معدنية من الفولاذ والحديد والنحاس فكان المشروع الثاني في أيلول عام 1950 بعد النكبة بأن وضع حسن مصطفى الحجر الأول في بناء عين بتير ومدرجاتها على شكل يليق بالنبع الكريم من الحجر الأحمر المسمسم والأحواض الرخامية، وقد زين البناء المرحوم ( سلامة أحمد سلامة) واجهة العين بحجر وثق عليه أبناء القرية ذكرى تجديد البناء فحط على هذه اللوحة اسم مجددها وتاريخ التجديد اعترافاً منهم بفضل فاعله وحسن صنيعه، وفي 13 آب 1950 هوت أول ضربة فأس معلنة بدء العمل في طريق بتير ومبشرة بقرب ارتباط القرية بالعالم بعد عزلها عن فلسطين السليبة والاستيلاء على محطة القطار وخط سكة الحديد من القدس شمالاً إلى يافا غرباً، وطريق بتير ربطت القرية عبر الجبال الوعرة مروراً في قرية الخضر ثم ببيت لحم وانتهى هذا العمل في28 شباط 1951، وقد نظم الشاعر اسكندر الخوري البيتجالي هذه الأبيات في افتتاح طريق بتير وعين بتير
عين بتير) قصيدة للشاعر اسكندر الخوري البيتجالي)
يا عين بتير هاتي من ثغرك العذب جرعة يحلو لثغري رضاب يسيل من فيك روعة إذا الثغور تلاقت سالت من العين دمعة فيها تعلة قلب تذوب شوقاً ولوعة هاتيه عذباً رحيقاً من ثغر أكرم نبعة
وهذه القصيدة الثانية للشاعراسكندر الخوري البيتجالي
طريق بتير
سر على الدرب وسافر وبهذي الدرب فاخر ربطت بتير بالمهد وطابت للمسافر كلما سرحت فيها الطرف لذت للنواظر فكرة قد شرحت من (كندي) صدراً وخاطر حسن) أوحى بها لا يبتغي شكراً لشاكر) فرحة عمت سهولاً، وجبالاً، وحواضر فلبتير هنيئاً بابنها البار المغامر
وفي أول آب سنة 1954 شرع أبناء القرية ببناء الدرج المحاذي لقناة الأجداد التي تنساب فيها المياه بقوسها القديم إلى الحوض أو البركة، وفي عام 1958 بوشر بترميم بركة الماء وإصلاحها لتحفظ الماء للري وتجمل القرية وبساتينها، وفي سنين الخير كانت فرصة لتعلم وممارسة السباحة حيث وفرة في الماء تكفي للريّ والسباحة
أما في سنة 1960 فقد قام بشق شارع إلى عين جامع التي تقع في الجانب المحاذي لأرض قرية القبو المحتلة والمدمرة وقد كتب الشاعر علي البتيري بعنوان "حسن مصطفى قنديل في الذاكرة" اقتطفت منها هذه الرواية بعنوان الفلاح أولا
أثناء العمل على فتح شارع يربط القرية بعين ماء مجاورة اسمها "عين جامع" وفي باب الزقاق اتسع عرض الشارع كثيراً مما استدعى حضور مهندس مدني استكثر عرض ذلك الشارع على قرية صغيرة، أخذ المهندس يفكر في محاسبة أصحاب الأرض ويخطط لتضييق عرض الشارع ولكنه بوغت بحضور حسن مصطفى المفاجئ وغير المتوقع
أذكر أني كنت واقفاً أشاهد وأستمتع
قال حسن مصطفى: أنت قادم من القدس، أي من المدينة وتعجب من عرض الشارع في قرية صغيرة اسمها بتير سكانها من الفلاحين الذين لا يلزمهم شارع عريض، أحب أن أقول لك بأن الله قد خلق الأرض للفلاحين المزارعين، فحين بسطها لخلقه لم يبن لهم فيها عمارة ولم يفتح فيها لهم شارعاً مضاءً بالمصابيح الكهربائية ولم.. ولم
وكان الانسان الذي تسلم أمانة الحياة على الأرض فلاحاً وابن فلاح، دع عنك تخطيط الشوارع في القرى فنحن أدرى بما نعمل، اشرب قهوتك ورافقتك السلامة
وقد كانت مياه هذه النبع قد سلبتها حكومة الانتداب من أهل القرية وحولتها إلى محطة سكة الحديد في الوادي الآخر ولم تعد اليهم إلا بعد 1950 حيث ألغيت المحطة بعد اتفاقية الهدنة، وقد كان ترميم العين ومجاريها والبركة وشق الشارع الذي يصل إلى النبع الأثر الأكبر في توسيع العمران والبنيان وإحياء المنطقة المحيطة وقد سمي شارع عين جامع "طريق الزراعة الحياة " حيث عادت الحركة وزالت الوحشة عن تلك المنطقة الحدودية مع المحافظة على الطابع الأثري القديم والممارسة الفعلية لنظام الري بمراسيمه وعاداته الموروثة عبر الأجيال الموغلة في القدم تروي مكانة الإنسان الفلسطيني على أرضه ومائه وزرعه طوال الزمن وفي نفس السنة 1960 أيضاً تم شق طريق بتير بيت جالا الذي يخترق الأراضي والجبال الشرقية للبلد ويربطها ببلدة بيت جالا وتقع على هذا الخط مجموعة من الينابيع الصغيرة
وقد كانت قيمة العمل الجماعي والروح التعاونية والتربية البيئية أثمن وأكبر من قيمة المشاريع المادية التي قدرت في حينها بقيمة مادية عالية جداً إلا أن قيمة الصمود والبناء وحفظ الأرض وتطوير البيئة والانتماء جعلت بتير قرية نموذجية راسخة تواجه التحديات بعزم وقوة وإرادة وأصبحت مزاراً للزائرين والدارسين لتجربة رائدة عممت في البلاد
مكانةعينالماءوالنبعفيالوجدانالشعبي
من المعروف أن الحضارات القديمة قامت حول الأنهار كما أن الصراع كان ولا يزال على موارد الماء ومصادرها، وعيون الماء وينابيعه شهدت تجمع السكان حولها لتكون القرى
ولنبع البلد وعين الماء في كل قرية أهمية خاصة فيه تحتل مكانة المركز الرئيسي لأنها مصدر الرزق وعصب الحياة وقد حرص القرويون على مواردهم المالية فكانت الحراسة على الينابيع دائمة، وتتشابه العيون الأثرية في شكل قنواتها وسراديبها الصخرية وفي شكل تدفقها على شكل )مزاريب حجرية ( تصب في برك أثرية أو أحواض صخرية تتجمع فيه المياه لتوزع على الأراضي المحيطة والبعيدة عن النبع أما الأراضي المحاذية فيمكن أن تنساب إليها المياه بدون جهد وقد مدت أراض صخرية إلى الأراضي الأبعد والأكثر انخفاضاً لتصب فوق الجسور في البرك لتوزع فيها إلى الأرض الأكثر انخفاضاً
والشكل الآخر من العيون الأثرية تمتد القناة الصخرية في سرداب يصل إلى مزراب الذي يكون في منتصف واجهة بركة واسعة يتفرع على مستوى المزراب قناة تتجه في جدار البركة الآخر لتروي الأرض المحاذية للعين الواقعة بمستوى المزراب بينما يتدفق باقي الماء في المزراب إلى حوض يصب في بركة في نفس المكان فتكون البركة في أسفل النبع مباشرة وعين جامع هي في نفس هذا الشكل
إن شكل مباني الينابيع والعيون له علاقة وثيقة بما يدور حولها من قصص وخرافات وأرواح وقد أورد الدكتور توفيق كنعان في دراسته (الينابيع المسكونة بالجن وعفاريت الماء في فلسطين) يقول هناك اعتقاد سائد وقديم جداً في البلاد السامية أن جميع الآبار والمياه الجارية مسكونة بالجن وعين بتير تسكنها عرائس و صبايا وكذلك عين الجنية وعين الولجة وعين القبو. أما عين أباسين هي من العيون التي تسكنها أرواح في منتهى الأذى (عبد) وعين الهوية بين بتير وحوسان تسكنها مجموعة من الأرواح (جن)، وكذلك عين جامع في بتير يسكنها مجموعة من الأرواح (جن ينقل الوقود لعيون طبرية كما أن تمركز حركة المجتمع الريفي حول النبع للري البشري والحيواني والنباتي يخلق أنواعاً من التفاعل والسلوك يحمل في طياته أحداثاً ومعاني مختلفة فمحيط الينابيع ملتقى الفرسان والخلان والعشاق وهي أيضاً ساحة الصراع على الملكية فإذا ما حصل غزو بين القبائل تكون العيون هي أولى وأهم ما يجب السيطرة عليه كيف لا والماء أصل كل شيء حي، والحروب في عصرنا الحاضر قامت بسبب الصراع على موارد المياه الينابيع والعيون في بيئتنا جزء من هويتنا كالأرض ولكل قرية قديمة في فلسطين عين تحمل إسمها ويسمونها عين البلد ولولا هذه العيون لما إستوطن حولها الناس ولا قامت حياة على مر الزمان والتاريخ ولا تبلورت ثقافة وحضارة وهوية وهذه نماذج من الأغاني النسائية عن العيون
ع عين بلدنا غزالك يا فلان ع عين بلدنا يا حلو ما مدلل (هذه اللازمة أحيانا تقال كترويدة وأحيانا تختصر حسب اللحن)
سوسح ولدنا يشرب زلال المي سوسح ولدنا يا حلو يا مدلل ع عين البيرة غزالك يا فلان ع عين البيرة يا حلو يا مدلل ينشر غسيله يشرب زلال المي ينشر غسيله يا حلو يا مدلل ع عين رامالله غزالك يا فلان ع عين رامالله يا حلو يا مدلل حلو ما شاء الله يشرب زلال المي حلو ما شاء الله يا حلو يا مدلل ع عين بتير غزالك يا فلان ع عين بتير يا حلو يا مدلل حلو و أصيل يشرب زلال المي حلو وأصيل يا حلو يا مدلل بيدي لعبي الشربة من عين بتير يا فلان لاقي العريس وإضرب مارتين بيدي لعبي الشربة من عين يبرود يا فلان لاقي العريس وإضرب بارود بيدي لعبي الشربة من عين إرطاس يا فلان لاقي العريس وإضرب رصاص
يا زريف الطويل وع عين الناموس تقطف النوار دوا للنفوس طلعت ع الحبس وقالت يا محبوس ريت حبسك يا المدلل داريناه
يوم عرسك يا فلان إثنعشر تكسي على العين بارود الموزر يضرب والشباب تتهايل هيل يوم عرسك يا فلان إثنعشر تكسي على البركة بارود الموزر يضرب والشباب يلعب دبكة
رومان على العين قوموا تا نقني له فلان إتجوز تعالوا تا نغني له رومان على العين قوموا تا نغوط له فلان إتجوز تعالوا تا نزغرد له وجتنا البتيرية عن راس العين بتغني لأبو فلان شيخ الصفين ربع أبو فلان يا غاوي وحطه على العين الله معاهم يا غاوي والعلي بن علين
نظام الري في ماء العيون
قياس كمية الماء في البركة من منتصفها بواسطة (عود السكرون) المجوف وعليه علامات متحركة من العيدان الصغيرة الناعمة
يتبع نظام الري نظام توزيع الأرض في القرية وكلا النظامين يرتبط بالآخر ولتوضيح هذه العملية نعود إلى قرية بتير كمثال حيث توزع المياه ثمانية أيام تدور وتتكرر باستمرار لكل عائلة أو حمولة أو مجموعة عائلات يوم صغيرة، ويبدأ هذا اليوم من الفجر حتى المغرب وتقسم المياه إلى معاديد أي حصص وفي نطاق كل حمولة تكون المعاديد معروفة فبعضها له 16 معدود وأخرى 20 معدود، إلا أنها لا تزيد عن 23 سهماً أو معدوداً ويبقى السهم 24 لآخر النهار حيث يستفيد منه المحتاج للري أو من فاته أن يروي رياً كاملاً
لاحظ بلاطة المنتصف التي يضع عليها المقياس مستقيماً ليحدد كمية الماء ثم يقوم بتوزيع المعاديد
تغلق البركة عن السيلان من المغرب حتى الفجر ليتم جمع الماء طوال الليل ومع ظهور النهار يتجه أصحاب الماء ومن لهم الدور في ذلك اليوم إلى البركة حيث يقوم أكثرهم معرفة بالحصص المائية لأهله وحمولته بقياس كمية الماء بالبركة بواسطة عود من نبات السكرون الذي يشبه عود القصب فهو عود أجوف يسهل خرقه بعيدان ناعمة صغيرة على طوله لتحديد الحصص مسافات موزعة على العود فينزل هذا المسؤول المدبر للأمر إلى منتصف البركة حيث تقوم بلاطة مميزة لموقع المنتصف ويضع العود مستقيماً فوق هذه البلاطة ويضع علامة في العود لتحدد الكمية الكلية للماء الموجود وبناءً عليه يقوم بتوزيع الحصص والمعاديد على طولها وهو يقيس بين الحين والآخر ليضبط عملية التوزيع، ولما كانت أرض الري ثابتة والحصص ثابتة أيضاً فإنها تقل بحكم الميراث والزمن فلو كان الجد مثلاً يملك معدوداً واحداً فسيوزع على ورثته إلى نصف وربع معدود وأحياناً يتشاركون في ربع المعدود وهكذا وإذا ما طرأت عملية بيع لأرض الجنان هذه ف أبناء الحمولة لهم حق الشفعة فيبقى يوم الحمولة في الماء يسر التوزيع فالماء يباع مع الأرض والجميع يحرص على امتلاكها مهما قلت وعلى الشاري أن يسقي أرضه الجديدة مع عائلة البائع وفي يومها
صورة قديمة منذ الثلاثينيات للشيخ حسين محمد حسين (أبو محمد) يصلي على جدار البركة الأثرية في يوم (المية)، حيث يتولى قيادة وتنظيم مشروع الري لحمولته
كيفيةالري
عند إعمار الأرض يقوم الفلاح بتقطيع الأرض إلى أحواض ذات حواف ترابية يتفنن في تسويتها وتشكيلها واستقامتها وترتيب البذور فيها ويجعل في وسط كل حوضين متقابلين قناة ماء وعندما يبدأ بالري تتدفق الماء لتصل إلى الحوض الأول أو ما يطلق عليه سم مشكبة بلفظ الكاف جيماً مثقلة بلهجتنا المحلية، ثم يرد (المرد) بالطورية ويسارع إلى فتح المرد المقابل حتى تمتلئ بالماء وتروى وهكذا
وفي الغالب تتناسب كمية الماء مع مساحة الارض والزرع إلا أنه في سنوات الجفاف وعدم وفرة الماء يؤثر سلباً على النتاج العام أما في سنين الخير وعندما تتفجر الينابيع (تتطلع العين) فيمكن الري بحرية ولا تقسم المياه حتى منتصف الصيف وبعد أن يعتدل منسوب الماء، أما بالنسبة لتوزيع الماء على الأرض الموزازية للنبع فلا تنزل في البركة وإنما تؤخذ مباشرة من الحوض قرب العين، أما المدة والكمية فيتم تحديدها وفقاً لنظام حركة الشمس والظل إذ لم تكن هناك ساعات تبين الوقت فكان (اختيارية الحمولة في يوم المية) يضعون علامات بالحصى لموقع ضوء الشمس وامتداد أو انحسار الظل في النصف الأول من النهار والنصف الثاني وكل مسافة ما بين الحصوة (حجر صغير) والأخرى هي فترة زمنية لمعدود أو حصة الماء المخصصة لفلان وإذا ما قاربت على الانتهاء يعطي إشارة على أن معدودهم سينتهي وسيغلق الماء ليوجهها إلى غيره، أما اليوم فيعملون وفق الساعة فيكون لفلان ربع ساعة من ماء الحوض أو نصف ساعة أوساعة وهكذا
مضامينهذاالنظامومعانيه
إن توزيع الماء بهذه الطريقة التقليدية كغيرها من الأعمال الزراعية تستدعي التعاون بين أهل القرية ككل وبين أفراد العائلة أو الحمولة وتدفع الجميع إلى الالتزام بهذا النظام وتطبيقه بدقة لئلا يتضرر الجميع وتنشأ الخلافات لذا يجد كل واحد نفسه مضطراً لأن يتعاون مع الآخرين ويزيل الأنانية والانعزالية والفردية من تفكيره فيوم المية يحتاج إلى قائد مسؤول وأفراد يتوزعون ما بين العين والبركة وأرض الجنان و آخر يصاحب الماء الجاري في القناة حتى يصل إلى مكانه الصحيح وتسمع أصواتهم )يندهون) على بعضهم لضبط مجريات عملية الري ويستعملون مصطلحات خاصة مثل )ردها( أو (قويها) وهم يطلقون على يوم المية (يوم الشيخة) فهم يتفرغون لها و إذا ما حصل طارئ يتولى الأمر عنهم من هو موجود وليس في العرف والعادة تفويت فرصة الري لأي سبب كان والجميع يحرص على أن لا تحدث الخسارة وفي أيام منع التجول كان أهل قرية حوسان يتطوعون ويسقون أرض جيرانهم من الينابيع القريبة من جدار قريتهم مثل عين جامع وعين أباسين وهذه دليل على أصالة هذا الشعب وقوته ووحدته، وأذكر أنه في أواخر الخمسينات شحت الماء على قرية الخضر فجاؤوا إلى المرحوم حسن مصطفى يطلبون تزويدهم بالماء من عين بتير فجمع أهل القرية و أخبرهم بطلب أهل قرية الخضر لأن الماء ملك لأهل القرية، وكانوا كراماً ولم يبخلوا عليهم وكانوا ينقلون الماء مساءً في صهاريج حتى جاءهم الفرج
وهذا النظام لا يزال مستعمل في كثير من البلاد العربية والاسلامية كاليمن والمغرب العربي وعُمان و إن اختلفت التسميات، ففي عُمان يسمون المياه المتدفقة بالأفلاج والحصص تدعى أسهماً
إن الحرص على حفظ الآثار وترميمها ساهم في تنمية المجتمع وحفظ ثقافته وتطوير المشهد السياحي وخاصة أن موقع القرية قريب من بيت لحم ومهد المسيح وكما هي العادة ظلت بتير محجاً للطلاب الدار سين في مجال البيئة والتنمية والتراث والثقافة والسياحة الداخلية والخارجية وكانت في الخمسينات والستينات صور بتير ومناظرها تتصدر نشرات السياحة التي تصدرها دائرة السياحة الأردنية، وأرجو أن أكون قد وفقت في توثيق المعلومات حول هذا الجانب الهام من تراثنا الزراعي وحول هذا النظام الموروث الممتد في جذور بيئته وموارده حيّاً يروي زرع الانسان الفلسطيني ويروي حكايته أيضاً عبر الزمن
وللأسف الشديد فإن السنوات الأخيرة اختلف المشهد لتلك الجنان المتدرجة والمعلقة كانت تزهو بجدرانها المبنية المرتبة وبتربتها الغنية بالسماد الطبيعي وبخضرتها التي كان يضرب فيها المثل لجودتها وكانت أسواق يافا والقدس تنتظر وصولها بالقطار يتلقفها الباعة ينادون بأصواتهم مروجين لمصدرها البتيري حتى اقترن اسم بتير بالباذنجان البتيري المشهور بطعمه الطيب والحلو وقليل البذور وشكله الطولي ولونه الليلكي والذي يزدهر موسمه صيفاً لحاجته للماء والحرارة العالية ونضجه السريع في الطبخ إلى درجة أن أهل بتير يفرقون في الطعم والنضج بين منتوج الباذنجان من موقع إلى آخر ما بين باذنجان عين بتير أو باذنجان عين جامع أو باذنجان عين عمدان مثلاً، إن العودة للزراعة وتعمير الأرض أمر مُلِّح وضروري لاستقرارمجتمعنا في أرضه وازدهار ونمو لاقتصاده وحياته وحفظٍ لبيئة عامرة لا يتهددها الدمار والهدم وهناك عدد من النساء لا زلن يواصلن مسيرة العمل والإنتاج الزراعي بشكل محدود، لهن كل التقدير والإعجاب
من الاستاذ المغترب البتيري عمر حماد: عين بتير، من أكرمها أكرمته ومن أهانها أكرمته. هذه الصورة على عين بتير في نهاية الستينات من القرن الماضي. واحتراماً لجميع الأمهات، الأحياء منهنّ والأموات، أشعر بسرور لو أسميت هذه العين "أم بتير" بلا منازع. فمن أعماق الزمن وحتى اللحظة، ما من أحد في بتير، نساءاً ورجالاً وأطفالاً وحلالاً، إلا و"رضع" من مائها الطهور، طعامهم منها وشرابهم منها ووضوؤهم للصلاة منها ونضرة وجوههم منها ونظافة ثيابهم منها وكل ما لديهم من خيرات كله كان من عين بتير. ولأنها كريمة، أنشأت أهلاً كرماء. ما زالت مياه العين تجمع في "بركة البلد" وتستخدم لأغراض الري في مدرجات بتير الزراعية وفق نظام ري تقليدي فريد من نوعه توارثه الأجيال في بتير منذ مئات السنين. مع العلم أن مياه العين كانت تستغل قبل هذا النظام التقليدي بآلاف السنين ولأغراض زراعية أيضاً بطرق مختلفة. كلنا مدينون لعين بتير وهي ليست مدينة لأحد. عندما توالت سنوات القحط وانحباس الأمطار والجفاف في فلسطين في أوائل القرن العشرين وعلى وجه التحديد عام 1904، كانت مياه عين بتير العذبة تباع في باحات المسجد الأقصى كسلعة نادرة. علماً بأن البعثات الأجنبية في بيت المقدس كانت تفضّل مياه عين بتير على باقي المياه بسبب نقاوتها وعذوبتها. ولحسن حظ الشباب البتاترة كان سعر ملء "طاسة" من الماء في باحات المسجد الأقصى آنذاك يتراوح من 8 إلى 12 قرشاً وهو مبلغ كبير جداً إذا ما قورن بأسعار تلك الأيام التي كانت الأشياء تباع وتشترى بالقروش. ومن الجدير بالذكر كمعلومة عامة، أنه في عام 1825 كان سعر "قنطار" التين في بتير يباع بـ 5 قروش (والقنطار يساوي 50 كيلوغرام) وقنطار العنب العادي بـ 8 قروش، وقنطار العنب الأسود بـ 10 قروش بينما كان قنطار الرمان يباع في بتير بـ 30 قرشاً!!! فـ تحية لبتّير وكل من يحافظ على بيئة بتّير، إكراماً لـ "عين بتير"!
نحن نضيف على ذلك أن عين بتير والتي كانت وقفية لصالح المدرسة المعظمية او الحنفية وعليها جامع صغير ما يثبت ان الملك عيسى المعظم من حفدة صلاح الدين اوقف مجموعة من القرى المقدسية ومنها قرية بتير، وهذه العين المعطائة اكرمها ايضا حسن مصطفى حين قام بتجديد البناء المحيط بها بالحجر الاحمر المسمسم، وقد اعطى مشرعاً كبيراً يصب في مجمع الماء المسمى حمام العين والذي كان يستعمله الرجال خاصة للوضوء و الاستحمام، وخدمهم مع ضيق الاماكن في تجمع القرية في مساحة متراصة فوق بعضها البعض.
هذه العين الكنعانية فسر البروفسور مروان ابو خلف في زيارته الاخيرة ان الكنعانيون كانوا يستهوون الاقامة على التل و تكون العين في الشِعب الاسفل منهم، وهذا الموقع لعين بتير الاصيلة والقسم الثاني من العين هو المخصص لشرب الانسان و تعبئة الجِرار و الاواني المنزلية، وكل ما يزيد يمشي الى الحلزونات الصغيرة حيث تشرب الحيوانات الواردة على الماء و تبقى العين للنبات و الانسان و الري، حتى تنقضي ساعات النهار ثم تحول الى البركة طوال الليل.
عين بتير جميلة جدا في بناءها وتقسيماتها حيث الاستعمال ومن حيث الموقع للاراضي الموازية لها قبل البركة ولا تزال محافظة على وقفيتها منذ ذلك العهد و جامع العين الصغير هو المشير الى هذه الوقفية من راس العين حتى نهاية وقفية ابو زيد.
تاريخنا حضارتنا ليس من السهل ان نبتعد عنه او نكيفه حسب اهوائنا، ومركزنا الثقافي له مسار حضاري ثقافي بيئي تاريخي يعمل عليه الان من راس العين جامعها و مبناها الى الميدان ثم مرورا بالجامع العمري و الكُتّاب (مدرسة حسن صطفى الاساسية ) الى البركة وتحت عراق ابو زيد و دار ابو حسين و الحرجة وسط البلد ثم الى حوش الارامل السبع و درج الاستاذ حسن ثم باب الساحة و متحف الزيتونة الذي انتخى ان يساهم اهالي بيت فجار بحجارة خاصة به و هو يقع على الشارع العام مقابل دار القيسي .
بتير الفلسطينية.. تراث عالمي
أدرجت منظمة اليونيسكو قرية بتير الواقعة غرب بيت لحم في الضفة الغربية على لائحة التراث العالمي وذلك سنة 2014 وصوتت لصالح انضمامها إحدى عشرة دولة فيما عارضته ثلاث مع امتناع سبع دول
وتتعرض القرية حاليا لتهديد إسرائيلي بشطرها بسبب الجدار الفاصل. وإدراج بتير على لائحة التراث العالمي يعني حماية دولية للبلدة التاريخية الصغيرة من الأطماع الإسرائيليه ونقطة إضافية تسجل للفلسطينيين في حربهم التاريخية والأثرية مع إسرائيل
بالعربية RT رابط فيديو من قناة https://arabic.rt.com/features/663/