المجاهدة مريم إسماعيل حسين عوينة (أم محمد) أم الأسير ثم الشهيد حسن عثمان البطمة رحمها الله
سيدة الأرض تستحق بجدارة هذا اللقب فهي فعلاً سيدة من سيدات الأرض الذي يعنيها شاعرنا محمود درويش
بعد عمر طويل حافل بالنشاط والحيوية والعمل الزراعي والفلاحي وبناء العائلة والأسرة في أحضان الحوش العتيق، حوش دار البطمة ثم حوش الأرامل السبع ، الذي كان مسرحا لحياة هذه المرأة الصابرة المدبرة مرفوعة الرأس الذي لم ينل الدهر من صمودها وثباتها وجهادها في حياتها الشاقة في كافة مراحل حياتها قاومت أم محمد زمن مرض زوجها ثم وفاته رحمه الله وأصبحت وحيدة في معترك الحياة تربي عائلة كبيرة من الأولاد والبنات الأيتام ثم بعد حين جاء دور المقاومة والجهاد حين سجن فلذة كبدها وحكم عليه بالمؤبدات وحكم على العائلة زيادة في العذاب بإغلاق البيت وسكنوا البيت المجاور في الحوش ولم يهدم نهائيا لأن الحوش بنيان مرصوص يرتكز على بعضه البعض وفيه وحدة متماسكة قوية لا يمكن فصلها ونزعها لا في البنيان ولا في العلاقات الاجتماعية والإنسانية الراقية. فمن غير الممكن تنفيذ بطشهم وظلمهم في هذا الحوش المتراكم ولكن كل البيوت بيوتها ، وصارعت وقاومت حتى خرج من سجنه واستشهد شاباً وكانت هذه المرأة صابرة تحتمل كل شيء يقع على عاتقها هموم ومسؤوليات وبمظهر الجَلَد والقوة
وفي إحدى الزيارات في سجن عسقلان طلب المرحوم من أمه أن تحضر له حبة قطائف حلوى الشهر الفضيل، وفي الزيارة التالية حملت لبطلها وزملاءه على أمل أن تستطيع إدخالها، ورفض السجان المتغطرس الظالم أن يدخلها له ولغيره. فما كان منها إلا أن حرّمته على نفسها طول السنين
إنسانة اجتماعية مشاركة خفيفة الدم والحركة والروح مثقفه دائمة الانشغال تعرفها بحنية ومحبة عقبة الجنان التي تنزلها وتعتلي عقبة أبو زيد يوميا وهي تحمل على رأسها الصغير حجما والكبير عقلا نواتج وثمار زرعها التي دأبت على اعمارها ورعايتها الحثيثة وكان لها رفيقات في العمل الوطني مثل السيدة فاطمة الجعفري زميلتها على درب سجن عسقلان، وفي مجال التسويق في سوق بيت لحم كانت صديقتها الولجية المتفودة مريم النصنوص ترعاهن مريم العذراء سلامٌ عليها وعليكن أيتها المريمات
افتقدها " أبو زيد " الولي الصالح القابع تحت عراق أبو زيد حارسا وصديقا لكل المريمات الصالحات الباقيات على العهد مع الأرض والوطن ( مريم خليل جبر ، مريم سلامة ، مريم الباشا ، مريم عوينة ، مريم أبو حسين ، مريم أبو نعمة ، مريم قطوش ، مريم معمر ، مريم النجار ، مريم القيسي ......... ) وعلى رأسهن مريم إسماعيل لما لها من خصوصية في قلب أبو زيد ، كانت النساء ذوات الصعوبات تهدي أبو زيد ثوبا اخضرا براقا من قماش الأطلس لأنها تذهب إلى مدينتا الحبيبة إلى أسواق القدس العتيقة وتشتري هذا الثوب المبارك ليغطي ضريح المقام ولقد تراكمت الأثواب عبر السنين ولا يزيلها احد لقيمتها المعنوية ويأتي الثوب الجديد وثوب آخر فوقه . ولكن بعد غيابها لم ينل أبو زيد أي ثوب جديد بل حفروا قبره وهدوه بحثا عن الكنز المتوقع تحت رأسه حسب اعتقادهم بئس والله فعلهم المنكر. سأل عنها أبو زيد:- ولم يجبه أحد انه لا يعرف ما أصابها من مرض نتيجة ضغوط الحياة القاسية التي لم ترحم الذكاء والفطنة بل تتفاعل مع الحزن والهم وشقاء الحياة وصعوبتها. خرجت أم محمد من بيتها وحوشها الذي أحبته وكانت تراه أجمل موقع وأحسن بيت لتصبح في عالم المرض في بيت ابنها الدكتور رشاد البطمة وزوجته الممرضة سهير، تتلقى الرعاية وهي غير مدركة لما حولها، ولكن كان هناك شيء لم تنساه أنها تعرف في قعر ذاكرتها أماكن وأحداث وأشخاص لعلها نعمة من الخالق أن تنسى فقد تألمت بصمت وتسأل حينما فقدت ابنتها عائشة تحسرت وتألمت ولكنها تائهة الوعي بالموقف المبهم فهي تعرف ولا تعرف. لا ندري إذا كان هذا رحمة من الله وأيهما أفضل أنت تعيش الواقع المر أم تتأرجح بين ما هو حقيقة وواقع أم لا .... رَحم الله هذه الحاجة المجاهدة ولها الأجر والثواب على ما قدمته رغم الشقاء فكانت جمل المحامل وذكراها خالدة بمقدار تضحيتها المزدوجة...... رحمها الله بحسن أفعالها في حياتها واسكنها فسيح جناته بمقدار ما حملت من هموم ومسؤوليات وصبر وتفاعل مع هذه الدنيا ومن فيها ...