كان الغذاء الشعبي في بلادنا مرتبط بمواسم إنتاج المواد الغذائية، ولم يكن بالإمكان تناول الكثير من الأطعمة في غير موسمها، كما هو الحال اليوم حيث لم نعد نشاهد بائع او بائعة الحليب تطرق الأبواب في المدن صباحاً لتبيع الحليب طازجاً لزبائنها المعروفين. وبعد النكبة لم يعد بإمكان اللاجئين تربية المواشي والإبل ولا استعمال الحليب الطازج حيث حل الحليب الناشف ومسحوق البيض الجاف محل منتجاتنا الغذائية الطبيعية. وكانت هذه الهبات والمساعدات الغذائية المغايرة تماما لما اعتادوا عليه، تزيد في الحسرة واللوعة على ما خلفوه ورائهم من الخيرات والطيبات الطبيعية والمحلية بنكهاتها وروائحها الخاصة بها، والتي كانت مصادرها من أرضه ومن نتاج عرق جبينه ويصنّعها ويحضرها أو يعدّها بيده. فالقاعدة الشعبية تعتبر كل شيء "بلدي" هو المميز والأفضل دائماً. فقد كنت تسمعهم يقولون: زبدة بلدية، سمن بلدي، ولحم بلدي... الخ فهي سليمة المنشأ والتصنيع خالية من المواد الحافظة والكيماويات. ويواجه البدو في كل فلسطين في هذه الأيام مقاومة لوجودهم وتضييق خانق على حركتهم وحياتهم وإلغاء لهويتهم ونمط حياتهم كمجتمع رعوي. ويواجه مربو المواشي في الضفة الغربية مشاكل عدة بسبب الاحتلال والاستيطان وامتداد جدار الفصل العنصري مما يؤثر سلباً على موسم الحليب ومنتجاته وصناعاته الغذائية، وقد اختفى المشهد الثقافي لقطعان المواشي بأنواعها وأصواتها ورعيانها. يبدأ موسم الحليب والألبان في الريف والبادية الفلسطينية أوائل الربيع حوالي شهر آذار بعد أن تكون الصغار قد فطمت وبدأت الأرض تجود بعشب الربيع المشبع. وأصحاب الأغنام يقدرون أهمية رضاع صغار الحيوانات من أمهاتها حتى يكتمل نموها. وكانوا يطلقون على الصغير الذي لم يشبع من حليب أمه أوصاف وأسماء خاصة تفييد الضعف فيسمونه " قرقور" ويصفونه انه "مكرعش" و"مقذوع" و"مكعوش"، ويسمى حليب الولادات حديثا بحليب "اللباء" وعندما يغلي هذا يتكاثف كالقشدة وهو لذيذ مغذي. ينتهي موسم الحليب عند آخر الصيف وبداية الخريف لذا يقول المثل الشعبي: "بعدك يا صليب ما ظل حليب"، وعيد الصليب يصادف في 14 أيلول حسب التقويم الشرقي أو 27 أيلول حسب التقويم الميلادي الغربي. وفي هذا الوقت تكون الإناث قد حملت. كان المجتمع الرعوي الذي يعتمد في حياته على تربية المواشي والأبقار والإبل يعتمد في غذائه الأساسي على منتجاتها ويصنع الألبان والأجبان والسمنة ويخزنها كمونة لفصلي الخريف والشتاء. أما المجتمع الفلاحي الزراعي فيعتبر تربية المواشي من مكملات برنامجه الزراعي ومهم لسياسة الإكتفاء الذاتي من كل شيء فيقول المثل: "عنزة في البيت أخير من جرَة زيت". ولا يفوت الجبَانين صناعة "المساة" أو "الدورة" التي تؤخذ من معدة الحيوانات المجتَرة من أغنام وأبقار وهي صغيرة العمر ولم "تأكل ربيع" وهي رضيعة. والمساة هي المعدة الرابعة أو المنفحة لهذه الحيوانات والتي بدورها تفرز مادة خاصة "أنزيم الرنين" واسمها الشعبي "المساة ". وحينما يذبح العابور أو الخاروف الصغير ُيؤخذ هذا القسم في المعدة ويوضع فيه قليل من الملح ثم تعلق حتى تجف وترسب فيها مادة "المساة" على شكل حبيبات تستعمل في عمل الجبنة. أما في الوقت الحاضر فتشتري هذه المادة على شكل أقراص أو سائلة من الصيدليات. وتستعمل "المساة " بدقة وحذر حيث ان زيادة كميتها يسبب تفتت الجبنة وتتشكل عادة ثقوب في قرص الجبنة وحسب اعتقادهم يعد ذلك عيبا من عيوب الجبنة. ويعد الرعاة طعاما لهم في المرعى والبراري عبارة عن جبنة تخثر باستعمال "شري التين أو طقشة" حيث يسقط "الشرى" او العصارة النازلة من عجرة التين على مقدار لتر من الحليب ويجب ان لا تزيد كمية "الشرى" لئلا تضفي طعماً مراً. ولنجاح العملية يجب ان يكون الحليب فاتراً وأن يحرك "الشرى" المخثر جيداً في الحليب. ولعل القارئ يحب أن يعرف كيف يتناول الرعاة الجبن الخثر دون تصفية مائه: بعد تمام تجَبن الحليب يأتي الراعي أو الشخص بجزء من ورقة تين ويلفها على شكل "زعموط" أو "محقان" يسمونها "بالكرو" وجمعها "كراو" ويبدأ بجرف الجبنة كأنها ملعقة وتكون جبنة طبيعية بدون تمليح.
1) المقيقة في الربيع تكون قرون الخروب خضراء والحليب متوفر بكثرة وهذا موسم المقيقة وهي عبارة عن الحليب الطازج الفاتر مضافاً إليه عصير قرون الخروب الخضراء بعد دقها واستخلاص عصارتها مع التحريك، ومن الطريف أنهم يقومون "بالتنقير" بالفم واللسان أثناء التحريك كي يقوم الخروب بمفعول تخثير الحليب جيداً. والتنقير هو إخراج صوت نقرات يستمتع بسماعها الأطفال وهم يرقبون إعداد هذا الشراب الموسمي والذي كانوا يستسيغونه ويقبلون عليه وهو وسيلة للتنويع في طعم ونكهة الحليب وهو شراب لذيذ يمكن ان يؤكل معه الخبز أو بدونه ويمكن أن يحلى بالسكر أو بالعسل وكله حسب المتيسَر وحسب الرغبة. 2) فتة الحليب ـ المفروكة. طبق آخر من الحليب هو فتة الحليب أو المفروكة وهي أكلة موسمية تشبه أكلة " أم علي المصرية" وهذا الطبق نوع من أنواع الفتَات التي يشيع استعمالها في بلادنا، لأن الخبز هو الطعام الرئيس لدى شعبنا منذ القدم ولا نزال حتى يومنا هذا نغمس الخبز في الطعام عندما نأكل ونقدم أكلة المسخن على فتة، والمنسف عبارة عن فتة بمرق اللحم واللبن وهناك فت العدس وفتة الحمص، وفتة الكوارع، وأشكال أخرى عديدة منها فتات حلوة، وفتات مالحة، يحرص الشعب على تناولها وتقديمها لضيوفه في بيئات بلادنا الثلاث الريفية والبدوية والمدنية، ففي الوقت الذي يكثر الزيت في الشمال الفلسطيني يكون طبق المسخن هو الأساس وفي الريف الغني بالخضار يعدون الفتات باليخنة كفتة أو منسف الباذنجان وهناك فتات باللبن كالمنسف البدوي والفلاحي والمعروف في منطقتي القدس والخليل. أما مصطلح المفروكة أو الفرايك فهو عبارة عن الخبز المقطع والذي يخلط وهو ساخن بمادة من المواد المتوفرة محليا ويمكن أن يحلى بالسكر أو يؤكل بدونه، ومن أنواع الفرايك أو المفروكة وغالبا ما تكون وجبة الفطور الأساسية، فرايك الزيت، و فرايك السمن البلدي، وفرايك الزبدة، ومفروكة الجبنة، ومفروكة الحليب. وتتكون المفروكة من خبز شراك طازج، أو خبز طابون ساخن، أو خبز عربي مفرود في المدن، وكمية من الحليب المغلي مع "زقلوطة" من الزبدة البلدية البيضاء في فصل الربيع والموسم أو ملعقة سمنة بلدية في أوقات عدم توفرها وقليل من السكر أو العسل . طريقة التحضير: يُفت الخبز الساخن الطازج ويقطع ويضاف إليه قطعة "زقلوطة" من الزبدة البلدية أو ملعقة من السمن البلدي إذا كانت الزبدة غير متوفرة ويسكب فوقه الحليب المغلي والمحلًى. يُشًرب الخبز بالحليب بتقليبه برفق لئلا يذوب ويتفتت إلى حد زائد، ويمكن تحليته بقليل من العسل بدل السكر إذا توفر فيضفي طعماً لذيذاً ويزيد القيمة الغذائية. والمفروكة تشكل وجبة إفطار أو عشاء سريعة وغنية بقيمتها الغذائية، ويمكن إعدادها بسهولة في الخلاء عندما تكون العائلة مجتمعة للعمل. ويمكن أن تكون "فوالة" أو تصبيرة قبل الوجبة الرئيسية. 3) مفروكة الجبن: يفرد الخبز في السدر أو الباطية ويعقد الحليب الفاتر الطازج بالمياة ليتخثر ويصبح جبناً وبدون ان يصفى من الماء يسكب الجبن السائل المتخثر على الخبز ثم يسكب عليه قليل من السكر إذا كانت الرغبة بالطعم الحلو ويمكن تناوله بطعمه العادي ومن لديه العسل يمكن ان يضيفه على شكل خطوط رفيعة فتزيد القيمة الغذائية وتزين الطبق وتضفي نكهة وطعما لذيذاً . ويجوز تناولها بطعم الجبن البلدي السائل المتخثر بلا ملح أو سكر. وهذه المفروكة تنمَ عن صفة مهمة من صفات الطعام الشعبي وهي البساطة والسهولة والسرعة. 4) الهيطلية وخبز الكماميس. الهيطلية أو المهلبية أكلة شعبية محببة وتشبه الأغنية النسائية المقدسية شبه المرأة البيضاء الجميلة والراقصة بدلال وحلاوة بصحون الهيطلية، كما تشبه الرجل ب "ثوب أو قطبة" المعتبر والجميل، وهو من أثواب القدس أيضا الغالية والفنية. ارقصـي هيّـه بـهيّه يـا صحون الهيطلية يا فلان ثوب أبو قطبة يا خيّه ذهب ع اديّه يسمي بعض الناس هذه الأكلة "الربيعية" لأنها موسمية، كما يسمون إحدى طبخات الفول أيضا بهذا الاسم وتنسب لفصل الربيع ولكن الهيطلية تصنع طوال فترة الربيع والصيف حتى يجف الحليب. كيف يستخرج نشا القمح: ـ يجرش القمح البلدي على الطاحونة أو الجاروشة الحجرية "المجرشة". ـ ينقع الجريش بالماء مساءً حيث يتغلغل الماء داخل الجريشة ويستنزف ويذوَب النشاء في الماء. ـ تفرك المرأة الجريشة المنقوعة و"تمعكها" باليدين وتعصرها فيخرج النشاء الأبيض كأنه حليب. ـ و"تزلَه" أي تفصله وتصفيه ويمكن أن تشطفه أيضا لتخرج كل ما فيه من نشاء. ـ يوضع الحليب على النار ويضاف إليه النشاء وهو لا يزال فاتراً ويحرك بالمغرفة الخشبية جيداً. ـ يضاف السكر لتحلية الهيطلية وتستمر في التحريك حتى يغلي الحليب والنشاء ويبدأ بالتنقير والتكاثف وتحس بذلك في ثقل المغرفة وحركتها. ـ تضع "قصفة من نبات العطرة" الخضراء ذات النوار الزَهري، (وهي نبتة دائمة الخضرة تزرع في مداخل البيوت والحدائق ولها رائحة قوية عطرية). ـ كان الناس يكثرون من استعمال السمن البلدي و"ينقطون" به طعامهم خاصة أكلات اللبن والحليب واللحوم والتقلية بالثوم مع السمن البلدي رائعة حيث تنتشر الروائح المشهية. وفي الهيطلية توضع السمنة البلدية في المرحلة النهائية قبل السكب أو سكب الهيطلية وتوضع السمنة على وجه الهيطلية الساخنة فتذوبها وتكتسب لوناً اصفراً جميلاً وهذه أغنية تشبه وتوضح انسجام السمن مع الهيطلية: أنا بنت عمك وأنا الأولية وأنا السمن ذايب فوق الهيطلية إعداد خبز الكماميس: يؤخذ جريش القمح المنقوع طوال الليل والذي يكون قد تعرض لعملية المعك والفرك والتعصير الجيد. يُملَح ويُبهَر ويعجن في بعضه حتى يتماسك واليوم يمكن تتطريته على مَعَدة الخبز وعلى خلاطة الطعام الكهربائية لتنَعمه اكثر من اليد الإ انه يبقى خشناً. تعد الحشوة وهي عبارة عن البصل المحيوس بالسمن البلدي والمضاف إليه مفروم البقدونس. تحشى به أقراص الكماميس التي تشبه في لونها الكبة وتشبه في شكلها حبات الفلافل الكبيرة المحشوة بالبصل. تخبز أقراص الكماميس، وهذا الخبز الخشن عالي القيمة الغذائية ولذيذ الطعم ويتناسب مع مأكول الهيطلية الناعمة والطرية وتُغمس الهيطلية بالكماميس. المهلبية بنشاء الذرة الجاهز: تعد الهيطلية أو مهلبية نشاء الذرة الجاهز في الأسواق حيث يعقد الحليب ويحلى بالسكر ويعطر بماء الورد او ماء الزهر ويسكب في صحون ويؤكل بالملعقة. مهلبية أرز بالحليب: يوضع الماء على النار ليغلي ثم يُضاف الأرز المغسول ليغلي مدة خمس دقائق على نار حامية ثم تُخفض درجة الحرارة ويُترك حتى يقرب الماء من الجفاف، ثم يُصب الحليب تدريجيا فوق الأرز ويُضاف السكر مع التحريك حتى ينضج الأرز ويتكاثف الحليب من تأثير نشاء الأرز. يُضاف ماء الورد ويحرك ليكسبه الرائحة والنكهة العطرية ثم يُسكب في صحون. 7) اللبن الرائب: يغلى الحليب المصفى ثم يترك حتى يفتر وتوضع له "الروبة" أي الخميرة وتخلط بالحليب جيداً بواسطة ملعقة خشبية، ثم يوضع الحليب والروبة في آنية فخارية مثل "البقلولة" و"المغطاس" أو "الكعكورة " وهي أحجام مختلفة وتتميز الأواني الفخارية بأنها دافئة وتساعد على ترويب اللبن وتخثره بسرعة ويمكن استعمال مطربان زجاجي وهي ايضا بأحجام مختلفة. ـ كان اللبن يغمس بالخبز مع الزيت وفي الخلاء يفت الفت ويصب عليه اللبن الرائب والزيت او يقطع البصل مع البندورة المقطعة ويضاف اللبن والزيت ثم يسكب الجميع على الخبز كفَتة وسلطة اللبن بالبصل والبندورة وهي محببة خاصة مع اكلات المجدرة والرشتا بالعدس. ـ يضاف اللبن الرائب إلى الهندباء المفرومة والمعّصرة كما يضاف إلى سيقان نبات الخردل الخضراء والمقطعة والمفرومة دون الأوراق وهي سلطات لذيذة ومفيدة . ـ وهناك سلطة الخيار باللبن والنعناع . ـ ويرافق اللبن الرائب أكلة المسخن وذلك ليمنع سوء الهضم الناتج للبصل والزيت والسماق ويحرص أهل الشمال على تقديمه معها دائماً. وقيمة اللبن الرائب في الذهن الشعبي ووجدانه يلخصها هذا المثل: "الرايب للحبايب والزبدة للنسايب والميص للمتعايس". 8) الحويرة باللبن: يستمتع الناس بتناول الحويرة الغورية التي تنزل مبكراً ثم الحويرة الجبلية في الموسم ولوفرة اللبن اليوم تعد بسرعة وسهولة أكثر من الماضي وسأذكر الطريقة الجديدة والطريقة التقليدية القديمة. ـ في الوقت الحاضر تؤخذ أوراق نبات الحويرة وتغسل جيدا وتكون خضراء طازجة لا نوار فيها ثم تقطع وتفرم. ـ ترش بالملح وتفرك وتمعك باليد حتى ينزل الماء منها ومع الماء ينزل الطعم المرّ تعصر جيداً باليدين (وغالبا تكون الحويرة المزروعة اقل مرارا بكثير من الحويرة البرية). ـ يؤخذ اللبن الرائب الكثيف والمضاف إليه اللبنة الجامدة ويخلط مع الحويرة الممعوكة والمعصورة. ـ يمكن تناولها مباشرة ولكن يكون طعمها عادي غير متخمر او متخلل. الحويرة بالطريقة التقليدية القديمة: ـ تقطع الحويرة بعد تنظيفها ثم تفرك وتمعك بالملح وتُعصر جيداً. ـ تترك الحويرة بعد هذه المعالجة لمدة يومين أو ثلاثة او أكثر من ذلك حتى تتخلَل مع اللبن المخيض. ـ يحفظ اللبن المخيض بعد خضه وخلطه بالحويرة في "الشراع" وهو وعاء جلدي يصنع خصيصاً لحفظ اللبن ولا يسرب أو يصفى الماء (الميص). ـ بعد تخليل الحويرة في اللبن تكسبه طعما خاصا ويضاف اليها الزيت وتؤكل كفاتح للشهية مع الأطعمة أو تغمس بالخبز مع الزيت والبندورة. 9) القبّار أو كبار أو لصف أو شفلح: ـ القبار شجيرة شوكية تتواجد في المناطق الجبلية الصخرية وعلى الأسوار والبنايات القديمة. ـ تجمع الأوراق اللحمية الجلدية حديثة النمو (اللباليب) في شهر أيار وبعد موسم الحويرة وتفرم هذه الأوراق ويرش عليها الملح الجاف وذلك لإزالة الحرقة والمرارة منها وتبقى في الملح مدة يوم أو يومين. ـ ثم توضع في اللبن المخيض بحيث يكون ملحها عاديا كأي أكل ويحفظ القبار في "الشراع" (وهو الوعاء الجلدي الذي يحفظ فيه اللبن ولا يصفى الماء) ويبقى لمدة أسبوع أو أسبوعين حتى يتخلل القبار في اللبن ويكتسب اللبن طعما حامضاً مميزاً فاتحاً للشهية، ويغمس بالخبز مع زيت الزيتون. ويمكن إغناء صحن القبار وإضافة خضار السلطة كالخيار والخس والبندورة، فهذا يساهم في تخفيض حدة حموضته وفي هذه الحالة يسمى "سلطة قبّار" ويمكن الاستفادة من القبار القديم والذي تم تخليله بزيادة وإضافة لبن جديد عليه فيخفف من كثافته وحموضته . ملاحظة : يستعاض عن الوعاء الجلدي الشراع اليوم باستعمال المطربانات الزجاجية الكبيرة ويحرّك ما فيها قبل السكب. 10) مخلل الفلفل مع اللبن . يفرم الفلفل الحار فرما ناعما ثم يرش عليه الملح ويخلط في اللبن المخيض ويوضع في الشراع لمدة أسبوع أو أسبوعين وذلك حتى يتخلل ويؤكل مع الزيت لوحده أو يخلط بالسلطة كما هو الحال بالقبّار وهذا المخلل منتشر كثيراً في مناطق غزة وقرى الخليل الغربية. مخلل الكزبرة والرشاد مع اللبن: الكزبرة الخضراء والرشاد الأخضر من نباتات العائلة الخيمية تشبه أوراقها أوراق البقدونس ولها طعم ورائحة خاصة. وفي الموسم وهو فصل الربيع وأوائل الصيف تفرم وتملح وتضاف إلى اللبن وتترك في الشراع حتى تتخلل ويمكن ان تؤكل بدون تخليل أي طازجة وكذلك الحال مع الخردل الأخضر الذي سبق ذكره. صناعات غذائية شعبية ومنتجات الحليب والألبان المحفوظة بالطرق التقليدية: الحليب من أسرع المواد الغذائية تلفاً بسبب احتوائه على نسبة عالية من البروتين ومهما استفاد الانسان من الحليب الطازج في الشرب والطبخ إلا انه يحتاج إلى تخزين هذا الحليب بتحويله إلى منتجات صلبة ومملحة. فالملح مادة مهمة في حفظ الأطعمة وطريقة التمليح من الطرق القديمة والتي تساعد في توفر الأغذية باستمرار من الموسم إلى الموسم. كما ان توفر مادة معينة في منطقة ما يساهم في ازدهار صناعات أخرى ترتبط بوفرتها ووجودها. فمثلاً يهتم أهل الشمال الفلسطيني بصناعة الجبن الأبيض البلدي الذي يستعمل في صناعة الحلويات المدنية. فالكنافة النابلسية المشهورة تستهلك كميات من الجبن المحفوظ وهناك حلاوة الجبن ايضا والقطائف والكلاج الخ ... كما ان مصانع الحلويات تستفيد من الحليب في الموسم لعمل "القشطة" ولكن من الحليب الطازج بأنواعه البقري أو حليب النعاج او حليب السَمار. اما في الجنوب والوسط فيكون التركيز على عمل لبن الجميد في مناطق توفر وزراعة القمح، والفلاحون الذين يمتلكون الزيت والزيتون يحفظون اللبنة المملحة في الزيت. وعلى هذا الأساس يمكن تصنيف الطعام الى بيئات ومناطق. فأكلة المنسف بدوية بالدرجة الأولى وموادها هي اللبن واللحم والسمن البلدي. والمجتمع المقدسي والخليلي ينتج ويستعمل لبن الجميد بكثرة لوجود البادية والمجتمع الرعوي. وفي مدينة الخليل القديمة "سوق اللبن"، ولا تزال محافظة الخليل أكبر مصدر للجميد يصدر إلى المناطق الأخرى. بينما لا يعرفون لبن الكشك المصنع بتخمير اللبن بالجريشة في مناطق الساحل والسهول المشهورة بزراعة القمح ويسمون لبن الجميد بلبن الكشك أيضا رغم الفارق بينهما. والجبنة البيضاء يصنعها الفلاحون والبدو وتؤكل خضراء طازجة ويبيعونها في الموسم بينما يأتي التاجر فيصنّعها ويحفظها ويبيعها وكذلك يشتري الزبدة ويطبخها سمنة ويبيعها في متجره في المدينة كما يتوفر للفلاحين والبدو زبائن من عائلات المدن "يوردون" عليهم هذه المنتجات وتقوم النساء بتصنيعها ويتوفر في البيوت أدوات وأواني مناسبة واماكن صالحة لخطوات العمل مختلفة عن أواني وأدوات المرحلة الأولى من صناعة الألبان عند من يربي المواشي . كما ان نوعية وكيفية الاستهلاك لا تقرر ما يحتاجون حفظه من مادة معينة وما لا يهتمون بحفظه فالفلاح والبدوي يستطيع ان يعد الجبن الأبيض الطازج في موسم الحليب في أي وقت ولا يجد حاجة ملحة لكبس الجبن وحفظه بينما يحفظ لبن الجميد كغذاء أساسي له استعمالات متعددة في الطبخ والأكل. 1) صناعة لبن الجميد: تبدأ صناعة لبن الجميد بتحويل اللبن الرائب كامل الدسم إلى (لبن المخيض) المسحوب الدسم ويتم ذلك بعملية الخض في السقاء الجلدي حيث يعبأ اللبن الرائب في السقاء ثم ينفخ بالهواء ويعلق على حامل من العصّي الخشبية. بثلاثة أرجل وتجلس المرأة في الجهة الرابعة وتمسك بباب السقاء وتبدأ برج السقاء وخضه بعد التأكد من لف وربط باب السقاء. ومن الطريف ان المرأة التي لا تستطيع نفخ السقاء بنفس قويّ تنصح بأكل قليل من البصل حيث يُعتقد ان ذلك يساعد على تجميع الزبدة بسهولة. ويكون الخض بتحريك السقاء إلى الأمام والى الخلف بانتظام ذهابا وإيابا مدة حوالي 15 – 20 دقيقة بسرعة متزنة لا هي بالسريعة ولا هي بالبطيئة وبدون انقطاع وهي تذكر اسم الله من اجل البركة في إنتاج الزبدة واللبن الجيد . وتقوم المرأة "بالتَرويد" أثناء هذه العملية فتشغل ذهنها ووجدانها بما تحب أثناء عملها اليدوي. وعند انتهاء الخض تقوم المرأة وتنزع "الثمرة" منه وهي الزبدة. وتفصل اللبن للبيع أو لتحويله إلى لبن جميد أو للطبخ، ويشرب لبن المخيض كشراب مبرد في الحر.
2) الزبدة البلدية: تجمع الزبدة في وعاء ويمكن تقسيمها وأكلها مع المربى والعسل ويُقلى بها البيض فيكون له طعم خاص مميز، ولكن الزبدة توضع على نار هادئة لئلا "تنشعط" بفعل سرعة تأثر اللبن الموجود فيها بالحرارة وتفغش البيضات قبل اكتمال ذوبانها وتغطي قليلاً حتى تنضج البيضات ثم تملح وتبهر بالفلفل الأسود والكمون والكزبرة. وتوضع الزبدة في أكلة المفروكة بالحليب. وتطبخ لتتحول الى سمنة بلدية.
3) صناعة اللبنة : يجمع لبن المخيض ويوضع في كيس من قماش المنصوري أو المالطي أو الخام وهو قماش قطني يتحمل الغلي والتنظيف ويسهل نزول الماء أي "الميص" من اللبن ويسمى"خريطة"، يملح اللبن قليلاً ويساعد الملح في نزول الماء وتُؤكل لبنة طرية يضاف عليها الزيت وإذا كان الهدف حفظها بالزيت تحفظ في الخريطة يوضع عليها بلاطة حجرية وثقل كي يضغطها وتتخلص من الماء و يمكن تشكيلها أقراصا أو كرات يضاف إليها الزيت في مرطبان زجاجي أو فخاري. وفي الشمال الفلسطيني يستخدمون اللبن الرايب لعمل هذه اللبنة أي غير مخضوض وزبدتها فيها. 4) صناعة لبن الجميد: يتم تقريص لبن الخريطة الجامد أقراصا دائرية أو مفلطحة أو مخروطة ثم يرش عليه الملح الذي يحفظه وتتكون عند الجفاف طبقة خارجية من الملح. وكانوا في الماضي يجففون اللبن في الشمس وامّا اليوم فيجفف داخل البيوت في أماكن جيدة التهوية وعلى طبليات من الخشب وأواني مفروشة بقماش الشاش او الخام المنصوري القطني. ولا يوضع في أواني معدنية كالألمنيوم أو النحاس لأنها تتأثر بحموضة اللبن وتنحل المادة وتتفاعل مع المعدن وهذا مؤذٍ للآنية والمستهلك. بعد الجفاف التام تجمع وتحفظ في مرطبان زجاجي أو فخاري مفتوح أو في خريطة قماش وتبقى حتى وقت الاستعمال حيث تدق الأقراص وتنقع بالماء الساخن ثم تمرس في صحن الفخار باليد حيث تدعك بجدار الفخار الخشن نسبياً. أما اليوم فيعد المريس بواسطة الخلاَط الكهربائي حيث يوضع اللبن المدقوق والمنقوع في إبريق الخلاط الكهربائي ويخفق جيداً وبسهولة وسرعة ويؤخذ المريس ويضاف إلى مرق اللحم في حال طبخ المنسف أو إلى أكلات اللبن المتعددة منها أكلة المطّفية أو الزهرة باللبن أو الفول الأخضر باللبن أو أكلة (ذنين القطط) أي (الشيش برك) أو الرشتا والعدس باللبن وكذلك طبيخ الإفراج الجريشة باللبن واللحم وأكلة أرز باللبن وأكلة الكرشات والمقادم باللبن ويسمى لبن الجميد في قطاع غزة والبدو بالجبُجب. 5) صناعة لبن الكشك: بعد السؤال والاستفسار من عدد كبير من السيدات كبيرات السن في مدينتي اللد والرملة كالسيدة فردوس الخيري أم مصطفى وسليمة انشاصي، وياسمين الشلة ووالدتها ام محمد والسيدة ام محمد نزهة زغلول والسيد جعفر فطّور صاحب مطعم وحلويات الشرق والبستان وهم جميعا أصلا من اللد. تعرفنا على صناعة لبن الكشك حيث تقول السيدة فردوس الخيري: كأن لبن الكشك يُعد ويحضَر في مناطق السهل الساحلي حيث يكثر القمح ويجفف في موسم اللبن كي يستعمل في الشتاء ثاني أيام الأعياد وعند طبخ الخاروف المحشي الذي كان يغلى في الدست ثم يسلق تكون مرقته مكثفة ولذيذة يطبخ فيها الكشك أو على مرقة الدجاج المحشي ايضا فقد كان يغلى ثم يسلق وله مرقة لذيذة كثيفة يضاف إليها الكشك وتصنف طريقة إعداد الكشك كالآتي: يجرش القمح ويضاف إليه اللبن ويحرك جيداً لمدة ثلاثة أيام ثم يضاف اللبن الجديد إلى الجريشة كلما شربت الجريشة اللبن الأول وتبخر ماؤه حتى "تفشفش" الجريشة ويبدأ بالتنقير لمدة سبعة أيام أخرى يتخلل ويحمض. ثم تؤخذ الخلطة الطرية وتوضع على ورق التوت الأخضر كي تجف في الشمس. ووصفة ورقة التوت هذه من أهل اللد والرملة لا ادري ما الحكمة منها هل هو عزل الآنية عن آثار اللبن الحامض أو ان ورق التوت الأخضر المالس له أثره. وهذه وصفة الكشك من غزة هاشم تمثل الساحل الفلسطيني الذي يشترك في ثقافة إعداد الكشك وقد سجلتها الناشطة في العمل الاجتماعي في جمعية إنعاش الأسرة نهلة بسيسو: المكونات ـ قمح مجروش، لبن رائب، ملح. الطريقة ـ مثلاً : كغم قمح، 3 كغم لبن رائب. 1) نضع القمح في وعاء ثم نضع فوقه اللبن الرائب، ويحرك جيداً حتى يتشرب اللبن. 2) إذا كان القمح جامداً ويابسا يضاف اليه اللبن ثم قليل من الملح (هذا في اليوم الثاني). 3) كل يوم يحرك، وإذا كان بحاجة الى الملح نرش قليلاً، ويستمر ذلك لمدة ( 14يوما) ملاحظة :كان الكشك يوضع في وعاء اسمه "اللجانة" وهي من نحاس أو الكشكولة. اما اليوم فيستعمل البلاستيك او الزجاج. 4) يوضع في صينية نحاس ويرش فوقها الطحين ثم يقطع ويبسط باليد، ثم يوضع بالشمس في مكان نظيف، ونراقبه بين الفترة والفترة. عندما تبدأ أطرافه تنشف تؤخذ الأطراف وتوضع في صينية أخرى. وعندما يجف وجهه يقلب على الوجه الثاني. 5) وعندما ينشف جيداً يفرك. ثم يوضع في مرطبان زجاجي أو كيس ابيض من قماش ويصبح جاهزاً للطبخ ـ حاليا يوضع في الثلاجة اما في السابق فكان يوضع في كيس في الهواء. طريقة الطبخ: المكونات: كشك حسب المطلوب، حمص، بصل، ثوم، فلفل اخضر، مرقة لحم ، (دجاج أو أرانب). ـ تسلق اللحمة (اللحمة، أو الدجاج، أو الأرانب). ـ يؤخذ كمية من الكشك ويضاف إليه مرق اللحمة، ثم يصفى ويعصر الكشك جيداً. ثم يضاف إليه المرق (حسب الحاجة) حتى تصبح القمحة قشرة. ـ تفرم البصلة وتقلب بالسيرج، وبعد ان تصفرَ تضاف إليها المرقة وتحرك جيداً. ـ يضاف الحمص المنقوع والمسلوق ويحرك جيداً ولا يتوقف التحريك حتى لا يلصق، بحيث تكون النار هادئة. ـ وعندما يشكشك (أي تظهر عليه فقاقيع) ويغلى، ندق الثوم مع الفلفل الأخضر الحار ويقلب مع السيرج حتى يحمّر قليلا . ثم يوضع على الكشك وتطفأ النار. ـ يسكب في أوعية حسب الرغبة، ثم يؤكل. ـ عند تناوله يؤكل مع الفلفل الأحمر المطحون والفجل والزيتون (البعض يصب فوقه قليلاً من زيت الزيتون.
وتعليقا على هذه الأكلة التي تخص مناطق الخصب في مدن السهل الساحلي فاني أجد ان مبدأ الاستفادة من نشاء القمح البلدي المجروش هو نفس مبدأ الاستفادة منه في أكلة الهيطلية الحلوة ولكن الكشك بطعم اللبن وفي تصنيف الأطباق يعدّ طبقا مالحاً وهو وسيلة للاستفادة من وفرة المرق في أيام العيد والمناسبات وبشكلٍ جديد وطعم مختلف ويمكن تناوله بقليل من اللحم وبدونه أيضا. ويحتل اللبن والحليب والجبنة مكانا في مجال الغزل بشكل خاص باب الغناء المعروف "السمرا و"البيظا" حيث يتجلى تشبيه البيض باللبن والحليب والرد على ذلك من السمر بالغناء أيضا ولأنه يعبر عن وجدان الشعب تجد فيه ظرفاً وفنّاً أحببت ان أقدمه للقارئ والمهتم وبما ان الحديث عن الحليب والجبن كغذاء للجسد فالغناء غذاء للروح وترويح عن النفس: ـ اتقول البيظة إحنا الحليب واحنا المحارم بيــد الطبيب روحي يا سمرة مالك حبيب واللي يهواك اعرص ما يكونا - قالت البيظة احنـا الحليب واللي يشربنا باذن الله يطيب روحي يا سمرة قشر الزبيب واللي يهواك أتيس ما يكونا
- قالت السمرة واحنا الهرايس واحنا المحارم بيد العرايس روحي يا بيظة يا لبن مايص واللي بهواك يصبح مجنونا
- قالت السمرة واحنا شو مالنا يا لوز مقشر غالي ثمًنا وانت يـا بيظة رغوة لبنـا على المزابل راحو يكبونا
- قالت السمرة احنا من الحنّا واحنا في بلاد الحجاز اصلنا روحي يا بيظة تالي لبنّا يا مخيظ العرب دوم يكبونا
- وانت يا سمرة ست الحبايب وانت يا بيظة يا لبن رايب بطلب مـن الله تصيرن حبايب ونعيد السهرة بلحن الدلعونا
وهذه ابيات دلعونا اخرى تذكر اللبن والحليب بمعنى آخر مختلف عن حوار السمرا والبيظة كعودة الغائب للوطن وللقرية وكذلك الحب والغزل. يللي روًبت اللبن فـي الطاسِ حبك طيّر لي عقلي من راسي يا سيدي الخظر يا بو العباسِ ترّجع محبوبي اسمر اللـونا
فلسطين بلدنا وملقا الحبايب لـبنها الطّيب لبـنها الرايب ربي عليها ترجع الغايب يرجع وتشوفو في الحيّ عيونا
حملت اللبن بالـحمامية وراحت تتبيعو بالالمانية بالله يا بنت بيش الاوقية قالت بشلن اهلي باعونا
هي يا طويلة وطولك ع نسبه اوعك تبيعي اللبن في الحسبة بياع اللـبن بيّـاع الـجبنة ريتـو ما يـربح ولا ملَينـا
وهذه اغنية نسائية تقول: يا حلوة يا بيظة يـا كـاس الحليب يوم انك قعدت وعالكرسي انصمدت وبعينك غمزت سوسحت الخطيب
أغاني الدلعونا مأخوذة من ديوان الدلعونا الفلسطيني للدكتور عبد اللطيف البرغوثي، إصدار جمعية إنعاش الأسرة، لجنة الأبحاث الاجتماعية والتراث الشعبي الفلسطيني 1990.
صناعة الجبنة البيضا البلدية: يسخن الحليب الطازج المصفى حتى " يفتر " ثم تذاب أقراص المساة و"الدورة" في كمية من الحليب في فنجان وتوضع في طنجرة الحليب بمعدل قرص واحد لكل تنكة حليب وتحرك جيداً حتى تتوزع "الدورة" في جميع أجزاء الحليب وتترك لمدة حوالي ساعة حتى تتًجبن ومعيار التجبن يكون بوضع قشة في الجبنة عمودياً فإذا بقيت واقفة تكون عملية التجبن تامة والحليب تخثر وتحول إلى جبن أي (تجبّن) . وهناك حذر من زيادة المساة فإنها تسبب تفتت الجبنة فيما بعد وعند الغلي وتحصل ثقوب "خزوق" في قرص الجبنة، حسب اعتقادهم، وهذا يسيء إلى جودة الصناعة. ويجب الاهتمام بدرجة حرارة الحليب من جهة وكمية المساة المناسبة من جهة أخرى لإنجاح العملية. ُتصفَى الجبنة من الماء "الميص" وذلك بوضعها في قطع قماش قطني المسمى الخام او المنصوري وتكون مربعة الشكل يُغرف من الحليب المتجبن والمتخثر وبنفس الكمية والمعيار توضع الجبنة في "الفُوط" المخصصة وترد أطرافها ثم تقلب بحيث تكون الفتحة إلى الأسفل وتوضع على لوح خشبي وبعد صف كمية الجبنة "المقرّصة" يفرد فوقها لوح خشبي آخر وتوضع عليه ثقَالات من الحجارة كي ترصَ وتضغط وينزل منها الماء وتتحول من سائل متخثر إلى قرص متماسك أبيض مالس ويزداد الضغط والرص على الأقراص تدريجياً كي لا تنفلت القماشة ويختل شكل القرص أو تتكون مسامات اسفنجية وهذا من عيوب الجبنة كما ذكرنا آنفاً. تخزين الجبنة البيضا بالطريقة التقليدية والشعبية: تؤخذ اقراص الجبنة وترش بالملح طبقة كثيفة من جميع جهات القرص حتى تجف الجبنة من الماء الذي يطرده الملح وتصبح صلبة تغسل من الملح وتقطع كل واحد الى قسمين، يحضَر محلول ملحي بعيار "طويشة البيضة" هذا المعيار الشعبي للماء والملح في عمل المخللات ايضا. فإذا طفت البيضة وظهر جزء منها بسيط يكون تركيز الملح كافيا ويوضع المحلول على النار حتى يبدأ بالغليان. ـ توضع "حواجة الجبن" من المطيبَات وهي عبارة عن كمية من "المحلب" و"المستقة" العربية وذلك لتمنح الجبنة رائحة زكية وحتى تشد الجبنة، ولا تطرى أثناء التخزين. توضع بعد دقها في صرة من قماش قطني توضع الجبنة في المحلول المغلي وتترك على النار حتى يبدأ المحلول (الماء والملح) يغلي مرة ثانية بعد إضافة الجبن، وتصبح الجبنة طرية بفضل الغلي، ُتنشل وترتب على سدر بشكل منظم لان الجبنة تكون طرية حتى لا "تتجعلق" وتبقى على السدر حتى تبرد وتتصلب مرة أخرى أي تشتد. ويضيف الناس حبوب القزحة إلى الأقراص المغلية الطرية وذلك للزينة والطعم. ـ توضع الجبنة المغليَة والباردة في مرطبانات وترص وترتب جيداً حتى يمتلأ الاناء. ـ يضاف اليها محلول الماء والملح بنفس التركيز يغلي ويبرد ويوضع فيه نفس المطيبات من صرة المستقة العربية والمحلب وتغمر جيداً. ويمكن ضغط باب المطربان بصحن فنجان قهوة من الصيني أو قطعة حجر (شقفة صغيرة نظيفة معقمة) وقبل أكلها يجب نقعها بالماء فترة حتى يخف تركيز ملحها وتصبح مقبولة ويمكن شيّها بالفرن بالزيت البلدي قبل أكلها ويمكن قليها وكله حسب الرغبة، ويمكن تحليتها بالنقع واستعمالها في حشو القطايف والكلاج والكنافة والمعجنات مثل أقراص الجبنة بالزعتر. صناعة السمن البلدي: يصنع السمن البلدي من الزبدة والتي هي عبارة عن دهن الحليب المأخوذ من اللبن الرائب بعد خضه بالمخض "السقا". ولما لم يكن هناك وسائل للتبريد فلا يمكن الاحتفاظ بالزبدة أكثر من أسبوع إلى عشرة أيام، لذلك إذا لم تستهلك أو تباع لا بد من تخزينها وطبخها سمنة وهذا وصف لعملية صناعة السمن: تنقع أوقية من البرغل، أو من جريشة القمح بالماء لمدة عشرة دقائق، تذاب الزبدة على نار هادئة حتى تغلي والنار الخفيفة تذيب الزبدة دون ان ينشعط اللبن المرافق لها فيسيء الى طعم السمنة وجودتها. تضاف جريشة القمح او البرغل الى الزبدة وذلك حتى تمتص اللبن المختلط بالزبدة وتضاف اليها "حواجة سمنة" وهي مجموعة من البهارات المطيبة والمنكهة والملونة كالكركم ومسحوق الحلبة وجوزة الطيب وكبش قرنفل وملح قليل عادي. يبدأ السمن بالصفاء واللبن بالترسب وتمتصه الجريشة وتمتص بقايا البهارات المنكهة والمطيبة، والملح يساعد على ترسب اللبن والبهارات والجريشة في قعر الإناء وفي هذه المرحلة تنتشر رائحة السمن وتملاْ أجواء المكان. ـ تصفى السمنة وتفصل عن القشدة أي البرغل أو الجريشة في آنية زجاجية او فخارية واليوم يستعمل الصلب الذي لا يصدأ او المعدن المدهون مع الحرص على النظافة التامة والجفاف ولا تغطى حتى تبرد نهائياً. أما القشدة فهي لذيذة لاحتوائها على طعم اللبن والبهارات، وكانوا يأكلونها بالخبز ويضيفون منها إلى حشوة المحاشي والى طبخات اللبن وخبز "الكماميس". كانت النساء في الماضي تضع الزبدة في "البوشة" او القدرة الفخارية داخل الطابون كي تضمن توفَر النار الهادئة وعدم الشَعط. ـ ومن أهم استخدامات السمن البلدي هو (تنقيط الطبيخ) خاصة المناسف وأكلات اللبن والحليب المختلفة كالهيطلية ... الخ، وتنقيط الطبخات خاصة المحتوية على اللحوم والدجاج. والتقلية هي عبارة عن "قدح السمنة بالثوم".
ـ يوصف عمل المرأة التي تطبخ السمنة أنها (تقشّد) والفعل الماضي (قشّدت) أي ّصنعت السمن. ـ ومن استعمالات السمن التي كانت شائعة اكل السمن مع العسل كطعام مميز ورفيع المستوى من حيث الطعم والقيمة المادية والغذائية خاصة في الوجدان الشعبي ايام كان العسل والسمن تنتج محليا وشعبياً وهذه الاغنية تعكس هذه المعاني الى درجة ان يضرب به المثل في الانسجام "كالسمن والعسل". خذلك كلام زين واعطيني كلام زيّه يلي كلامك عسل والسمن فوقيَه يا جرة السمن ميلي ع العسل ميلي كليـاتنا روس مـا فينـا قنـانيري وهذه مهاهاة تقرن السمن بالعسل تعبيراً عن اجواء الانسجام وحال الاستقرار والسعادة يـا هي يا عسل في هنايب يـا هي والسمن حوله ذايب يـا هي وهذي الك يـا فلان يا هي عمنك في الغربة غايب وهذه ترويدة للعروس في ليلة حنّاها تقدر العروس وتشبهها يجرار السمن فتقول: يـا جرار السمن يـا فلانة يا جرار السمن يـا هي تطلعي من الاهل يا خسارة تطلعي من الاهل يا هي
طبخات من اللبن الجيمد: المنسف : من أهم الأكلات التي تُعد باللبن الجميد أكلة المنسف البدوية والفلاحية في منطقتي القدس والخليل على وجه الخصوص ويتجلى في هذه الطبخة الكرم البدوي والفلاحي كما أنه طعام الضيوف، يقول الشاعر الدلعونا الشعبي: يَ بلادي الواجب منك معروف تحييَ زوارك مع الضيوف السمن البلدي ولحم الخاروف طعام المنسف للَي يزورنا وجودة المنسف من جودة اللحم البلدي وكميَته واللبن الجميد المتقن والسمن الحر ثم النفس الطيب في الطبخ والنية في الإكرام مع حظَ الضيف حيث يعتقد ان الضيف الكريم تتيسر الأمور لإكرامه ولهذا تدعو النساء قبل القيام بأي عمل في الطهو بهذا الدعاء بعد التسمية الدائمة قائلة: " يا حظ الضيوف، والظعوف، حظ الجواد طعامين الزاد "والظعوف هم الأطفال. وإذا كان الضيوف جماعة أو كان طعام مناسبة كالأفراح أو الأتراح يقوم الرجال بالطهو والإشراف لضمان سلامة كمية اللحم ان تتسرب هنا وهناك بحجة إطعام فلان او فلانة، ولو أخذت كل امراة القليل "تقل البركة ويسوَد وجه "المحلية" هذا من جهة ومن جهة أخرى فان للأكل الجماعي أصول في التقديم، ومن العادات المتبعة ان تكون اذبيحة "مقطعة ع المفاصل" يكون عادة على المنسف "لحمة الظيف" وهي الشذاة او"راس الذبيحة" ولا يجوز لأحد من "المحلية" الحاضرين ان يمد يده إلى الطعام قبل الضيف كذلك لا يجوز ان يمد احد من "المحلية" يده إليها ويقسم منها قطعة ويوزع على باقي الضيوف. فالعادة تقول ان الاعتداء على لحمة الضيف يعتبر اعتداء على الضيف نفسه واستهتار بمركزه. وهناك عبارات وأمثال لها دلالات على هذه العادات أي (ذبيحة كاملة) و(لحمة الضيف) و"عيش الرجال على الأجاويد دين وعلى الأنذال صدقة". و"الجود من الموجود" و"الجود حرارة في العود" و"كل شارب والو واجب" و"البشاشة خير من القِرى" و "سلامة الظيف من بخت المحلي" و" الضيوف مقامات" و"حضرتوا وواجبكم ما حضر" و" تفضلوا على الميسور" و"والله كفيت ووفيت". ويجب ان يكون مع الضيوف بعض "المحلية" لذا يقال "الزاد ما يحلى إلا بأهله". أما طريقة تناول الطعام باليد فتكون بغرف قليل من الطعام في باطن اليد الواحدة اليمنى وتكون الأخرى بعيدة أو إلى الخلف، ثم يقوم برصها قليلاً بباطن اليد كي تتماسك كحبة التمر أي بحجم اللقمة يمسكها بأصابعه الثلاثة ويدفعها بالإبهام إلى فمه دون ان تلمس يده فمه وهذا أسلوب رشيق مؤدب ولا يلوث الطعام ولأن الضيوف يجلسون على الطعام ويليهم فوج من المحلية أو أكثر حتى يصل فوج النساء والأطفال وكل فوج عليه ان يقطع شيئا من اللحم مع الفت ويحسب حساب غيره الذي سيليه وهذا يسمى نظام القطبات. وهناك نكتة روتها إحدى السيدات كان أهلها مضيافين ويقومون بالواجب وبيتهم بيت كرم ولكن دائما هناك أعدادا تقضي على الطعام ما ان يصل إلى النساء حتى تكون الفرصة ضعيفة ان تجد لحماً فقالت لمن حولها "هاتي هالعظمات تنَا نبوسهن". ويتقاضى الناس على طعام الضيوف فمن يسبق ويحلف له أولوية وتراعى القدرة المادية وأصحاب الأعذار أو من كان عنده ضيوف في وقت قريب. يقال له "باطيتكم خضرا" أي رطبة من اثر الزاد لم تجف بعد. أما "المقاضاة" أو الحلف على طعام مناسبات الوفاة "المناقيص" أو طعام عشاء العرس كان الناس يحضرون طعام عشاء العرس قبل نقوط العريس في الساحة بعد انتهاء الزفة مساءً من قبل عائلة أخرى كأن يحلف احد الأصدقاء أو من بينهم "اخذ وعطاء وزاد أو تحالف أو نسب أو لا حصلت في الوجه". ويقومون بواجب بعضهم ويتحينون الفرص لأخذها وسدها مهما طال الزمن لذا يقال لا خيركم سابق " و"انتم مسلفين" والغرض منها ان أهل العريس يكونون منشغلين في الزفة والعرس بعد تقديمهم الغداء وقبل في الستينات قبل النكسة كان أهل العريس يطبخون مع العشاء القادم لهم كمساهمة لان الناس أعدادهم زادت ولم يعد يكفي وبعد زمن ألغيت عادة عشاء العرس والنقوط بشكله التراثي والتقليدي. والمقاضاة لها صيغ ويقدم الحالف حجته المقنعة للقاضي كي يعطيه الدور وكذلك القاضي يجب ان يكون عادلاً يعرف من أولى من غيره من نواحي واعتبارات عدة كقيمة الضيف أو قيمة الفاقد والفقيد وفي العادة ان الذي يحلف على طعام عائلة المتوفي تشاركه حامولته في التكلفة وتوزع على أفراد جماعته ودائما يكون هناك رصيد للحامولة لهذه "الطًقًات" و "الطقّة" هي وليمة أو إطعام كثير لأعداد كبيرة. ولا يزال الناس يتسابقون للقيام بها وهي عادات مرتبطة بالسنة النبوية، كما أنها عادات ايجابية نافعة تساهم في الترابط والتكاتف والتعاون والتجمع والتوحد والمواساة في حالة الموت ومجاملة في حالة الأعراس، علما ان عشاء العرس اُلغي مع الزمن ولم تعد له حاجة مع تغير العادات ونمط الاحتفالات في الأعراس ومراسيمها "كالنقوط" ومع غلاء اللحوم وسوء الأحوال الاقتصادية اخذ الناس يختصرون الولائم والطعام الجماعي بسبب التكلفة العالية. وطعام "المناقيص" للمنقوصين يكون دائما مناسف وكذلك عشاء العرس القديم، أما وليمة العرس من أهل العريس فيمكن ان تكون جريشة وغالبا ما تكون غداء. ومن العادة أيضا ان يؤخذ "المنقوصين" أي رجال حامولة المتوفي إلى ساحة أو مضافة الحامولة الداعية حيث يكرم أهل الميت ويقدم لهم الطعام وبعد ذلك يذهبون إلى ساحتهم لتقبل العزاء. ولا يؤخذ الطعام إلى المنقوصين في بيوتهم فهذا عيب وإنما تتم استضافتهم وإكرامهم في أماكن الداعين ولا يحمل الطعام إلا للنساء والعجائز والأطفال ويترك عندهم. واستكمالا للموضوع أورد مجموعة من الأغاني تدور حول المنسف طبق الضيافة ورمز الكرم والجود ومظهر العز والغنى والجاه. يغني الرجال عند إخراج المناسف ووضعها أمام المعازيم في العرس: يا عيال اهلنا يا حمول الخيلي جرو المناسف وانهضوا بالحيلي يا عيال اهلنا شرقت عصرية ما احلى الكفافي والعُقل ملوية
يا عيال اهلنا وارفعوا لعناق جُروا المناسف وافردوا لطباق ورزك يا ابو فلان طلع دفاقي ورز الـعدا حمظ ولا يتذاقي رزك يا بو فلان طلع بصحونه ورز العدا حمظ ولا ذاقونه
وتغني النساء في المناسف مظهرة معايير التميز والجودة قائلة: يا مسيل عن ساحتنا يا خير تع تفرج يا منسف لابو فلان على العمود يدرَج يا مسيل عن ساحتنا يا خير تعال وشوف يا منسف لابو فلان اللحم فوقه صفوف صفوف يا مسيل عن ساحتنا يا خير بالله تعال يا منسف لابو فلان ما جروها إلا بحبال
طريقة طبخ وإعداد المنسف: يؤخذ اللحم المقطع ويغسل بالماء البارد ثم يسلق ويملح ويبهر خاصة بالهيل أو الحب هال ويضاف البصل كمطّيب للرائحة والطعم. يعدّ ويحضّر اللبن "المريس" من لبن الجميد ثم يضاف إلى اللحم والمرق ويغلي حتى يتشرب المرق واللحم طعم اللبن وتفوح رائحته ونكهته الخاصة. يُغلى اللحم والمرق باللبن والثوم والسمن البلدي. ترتيب الفت والمنسف للتقديم: يوضع الفت المقطع من خبز الشراك أو خبز الطابون الرقيق او خبز الفرن البلدي في تحضير المنسف ويشرّب بالمرق جيداً، وغالبا بعد خبز الشراك والمسمى فراشح يفرد طبقة من الأرز المفلفل فوق الفت ثم يرصّ وجه المنسف بقطع اللحم وتوضع لحمة الشيخ على المنسف الرئيس ويراعى ان يوضع امام الشيخ عند التقديم عندما يكون العدد كبير والمناسف كثيرة، يرش الصنوبر المقلي واللوز المحمًر بالسمن البلدي. يضاف قليل من المرق أو يرفق في أواني عميقة جانبية للاستزادة منه حسب الحاجة والرغبة. يراعى في التقديم ان لا يكون الطعام حاراً جداً فيحرج الضيوف بسخونته ولا بارداً فيقلل من قيمته وطعمه خاصة في الشتاء. لذا لا يرتب المنسف إلا قبل التقديم وعندما يحين موعد الأكل.