يبدأ موسم الشتاء في بلادنا في الثاني والعشرين من كانون الأول (الانقلاب الشتوي) وينتهي في الحادي والعشرين من آذار (الاعتدال الربيعي) ومدته تسعة وثمانون يوماً وساعتان وقد شكلت المعرفة، والخبرة الفلاحية الفلسطينية المتوارثة، والمتعلقة بالأرض، والبيئة، والمناخ، والحياة الطبيعية، واستقراء الأحوال الجوية، والحياة والنباتية والزراعية ثقافة محلية شعبية مصدراً مهماً للمعرفة والتعلم والتطبيق تظهرها الأمثال الشعبية ويقسم الفلاحون فصل الشتاء إلى قسمين هما المربعانية والخمسينية
المربعانية المربعانية مدتها أربعين يوماً، وتبدأ في الثاني والعشرين من كانون الأول وتنتهي في الحادي والثلاثني من كانون الثاني وهذه الفترة هي النصف الأول من موسم الشتاء وتتسم بالبرد القارص والمطر الشديد. لذا يقال "أبرد من كانون"، "وبكانون كثرّ النار" و "في كانون الأصم، فوت عً بيتك وانظم". (انطم: نام) "ورياح كانون شيبت النسور في الجو" و "بعد كانون الشتاء بيهون". و"أظلم الليالي كانون أو زي عتمة كانون". يقول المثل في المربعانية: "المربعانية يا شمس تحرق يا مطر يغرق" و "المربعانية يا بتربع يا بتقبع" بمعنى بتربع أي تسمن لكثرة المطر والعشب وبتقبع أي تضعف وتزول لقلة المطر والعشب. ويشير هذا أن الفلاح يعتمد على كمية المطر الساقطة في المربعانية من أجل مزروعاته وإعطائه مردوداً جيداً طيباً.
زراعة الحبوب يقول المثل "في كانون شق الماء وازرع" (أي أن زراعة الحبوب ممكنة ومحببة في كانون أول وثاني) يزرع الفلاح الحبوب في فترتين الأولى قبل المربعانية وسقوط المطر خاصة القمح ويسمى عفير والفترة الثانية في المربعانية وهي فترة يبحث فيها المزارع عن فرص الصحو (توقف المطر) لإتمام زراعة ما لم يزرعه من حبوب خاصة الشعير والقطاني والكرسنة وتسمى "ريّ" والعفير والري يعتمد على أمطار المربعانية، وهم يمتنعون عن زراعة الحبوب بعد انتهائها وهذه الأمثال التي توضح ذلك: "لما يطلع الحنون ظُب بذارك يا مجنون" و "طلع الرنجس والحنون ظب بذارك يا مجنون" وزهر النرجس يفتح في نهاية المربعانية ويقول المثل: "إن قاتك الميلادي خلّي عدساتك للولادي" أي إذا مر عيد الميلاد ولم تبذر بذارك تكون قد خسرت الموسم الزراعي ولا فائدة من بذرها وتوفيرها للأكل أفضل من بذرها" ويقول المثل "إن طلعت البربارة يا بدارة حطوا الشعير في المطمارة والقمح في الغرارة" بمعنى البربارة (نجم يطل من ناحية الشرق في أوائل كانون الثاني ويعتبر ظهورها نهاية لموسم زراعة الشعير وعلى المزارعين إعادته لمخازنهم، بدارة: المزارعون الذين يبذرون الحب
الري في المربعانية الري عند الفلاحين ريان؛ ري شتوي وري صيفي، ويكون الشتوي في فترة المربعانية لذلك فالزراعة بدون ري شتوي لا تأتي بمردود طيب ولذلك تجد أن آخر موعد لزراعة الحبوب هو ما يسمونه "الطنعشاريات" وهي الاثنا عشريات وتساوي اثنا عشر يوماً الاخيرة في المربعانية ويعتقدون أن الزراعة فيها تقي نبات القمح من إصابته بالدودة، ويقول اسطفان اسطفان أنها الفترة الواقعة بين عيد الميلاد وعيد الغطاس وأنها مرهوبة لأمطارها الغزيرة وفيها يلجأ بحارة يافا إلى وضع سفنهم الشراعية في مكان أمين قبل هذه الفترة بأيام يقول المثل "ما بين ميلاده والغطاس لا تسافر يا ابن الناس" ويسمى كانون ثاني "فحل الشتاء" وذلك في تعبيرهم "القحت الأرض" وتلقح الأرض إذا كانت كمية الأمطار الساقطة كبيرة بحيث تصل إلى أعماق التربة وبالتالي تصل إلى جذور الأشجار إذ أن من المعروف أن نباتات حوض البحر المتوسط تمتاز بغور جذورها إلى أعماق التربة لتصل إلى الرطوبة فيقولون "القح الشجر" بقول المثل: "يا لوز يا مجنون بتزهر في كانون" (أي أن اللوز أول من يزهر بين الأشجار ويذكر بتجدد الحياة في الشجر وتشهد الحياة الزراعية هذا العام تأثيراً سلبياً لانقطاع المطر وارتفاع درجات الحرارة وذلك بسبب الانحباس الحراري والتلوث البيئي العالمي مالا تعهده الذاكرة الشعبية على مر الزمن
المربعانية وأشجار الزيتون لأمطار المربعانية أهمية أخرى فقيها تُزرع أشجار الزيتون التي تشتهر بها بلادنا، كما أن لمطر المربعانية دور وأهمية في إعطاء مردود طيب للزيتون فيقول المثل "سيل الزيتون من سيل كانون" ويقول "سنة الثلجة بيجي الزيتون حامل" و"كل الشجر بيتعرى بكانون إلا العفص والصنوبر والزيتون. (العفص هو البلوط) و"كانون الأجرد خلى الشجر أمرد" كلمة الأجرد تسمية محلية تطلق على كانون ثاني وهي تعني القاحل أو الكئيب البارد. أما المثل القائل: من المولود للمعمود بتوقف الميّ عمود" أي بين عيد الميلاد الموافق 7 كانون ثاني وعيد الغطاس الموافق يوم 19 كانون ثاني تكون أيام وليالي باردة وقد يتساقط الثلج وتنخفض درجات الحرارة لدرجة تجمد المياه النازلة من المزراب إلى الأرض وتصبح على شكل عمود" والثلوج في المربعانية مفيدة لغزارة في الثمار وسيولة عالية في الزيت كما أوضحت الأمثال السابقة. ويشكو الفلاح الآن من ذبول أوراق اشجار الزيتون بدرجة عالية حيث لم يتح الجفاف وصول الماء إلى الجذور وسينعكس هذا على نسبة السيولة في ثماره أيضاً. وقد سمعت الشيخ حسن حسين البطمة والبالغ من العمر اثنان وثمانون عاماً يُعلق على حالة الطقس الغريبة قائلاً: "لو شهده أبي ورأى بعينيه حال أشجار الزيتون اليوم لجن جنونه"
الخمسينية القسم الثاني من فصل الشتاء يسمونه (الخمسينية) ومدتها خمسون يوماً تبدأ من أول شباط إلى الثاني والعشرين من آذار. ويقسمون الخمسينية إلى أربعة أقسام متساوية كل قسم منها اثنا عشر يوماً ونصف اليوم وسميت (السعود الأربعة). السعود الأربعة ويروي عن سبب هذه التسمية أن جماعة قد خرجوا للغزو ومعهم شخص اسمه "سعد" فهبت عاصفة ماطرة شديدة البرد ولم ينج منهم إلا شخص واحد، ولما رجع لقومه سأله والد سعد عن سعد فأجاب لقد ذبح سعد ناقته واختبأ بداخلها لشدة البرد فابتسم الوالد لأنه تيقن أن سعداً قد نجا، ولما عاد سعد ورآه والده من بعيد قال "جاء سعد الذابح". وفي رواية أخرى أنه قد حدث وفي أيام الدولة الأموية ولما عرف البريد بواسطة الخيل والإبل كان سعد هو الذي ينقل البريد في بلاد الشام، وفي أوائل شباط (الخمسينية) خرج سعد بالبريد من دمشق وكانت الأمطار والعواصف والبرد الشديد، ناقته واختبأ بداخلها فسمي سعد ذابح وفي الفترة الثانية التي تلتها والتي يسمونها سعد بلع أي أن سعداً كان (يبلع) أي يأكل من لحم الناقة التي ذبحها، ولهذا فهم يعتقدون أن الأرض في سعد بلع تبلع كل المطر الساقط فلا يظهر بركاً على سطح الأرض. وبعد سعد بلع قالوا سعد السعود، لأن سعد نجا فسعد حيث يبدأ الدفء والحرارة ولهذه يقولون في سعد السعود بدور الدم في العود أي تحرك الدم في شرايين سعد بعد أن كان مُتجمداً من البرد والمثل صحيح حيث أنه في أواخر شباط تنتهي فترة سبات النبات فيبدأ امتصاص الغذاء من التربة حيث تكون قبل ذلك العصارة ساكنة وتتم تغذية النبات من المواد المخزونة. وبعد سعد السعود يأتي سعد الخبايا إذ تخرج جميع الحيوانات المختبئة من البرد كالأفاعي وغيرها وفيه أيضاً خرج سعد من مخبئه فسمي سعد الخبايا
هذه السعود الأربعة قسمت كالآتي سعد ذابح: من 1-13 شباط وهي فترة تتسم بالبرد الشديد فيقول المثل "سعد ذابح ما بخلي كلب نابح". سعد بلع: من 13-25 شباط وهو كناية عن الأرض في تلك الفترة تبتلع ما يسقط عليها من أمطار نتيجة ابتداءً ارتفاع درجة الحرارة. سعد السعود: 25 شباط إلى 9 آذار حيث تزداد درجة الدفء وتبدأ ذوات الدم البارد بالحركة مثل الأفاعي وغيرها يقول المثل: (في سعد الخبايا بتطلع من الأرض الخبايا أو تطلع الخبايا). الريّ الصيفي إن المطر في الخسمينية أي فترة (السعود الأربعة) ضرورة لما يسمونه الريّ الصيفي ويعرفون ذلك من تجمع الماء على وجه الأرض فيقولون "رقت الأرض" كما يعرف الريّ الصيفي من جريان الأودية والمسيلات. إن أشهر المطر عند الفلاحين هي: كانون أول وكانون ثاني "كوانين" أي المربعانية وشباط وآذار أي خمسينية الشتاء، ويعتبرون شهر نيسان "الخميس" متمماً لأشهر المطر.
المستقرضات وخلال فترة سعد السعود 25 شباط إلى 9 آذار تأتي المستقرضات ومدتها سبعة أيام ثلاثة من أواخر شباط وأربعة أيام من أوائل شهر آذار وتمتاز في أغلب الأحيان بالمطر الشديد والفياضانات وهبوب الرياح الشديدة والبرد القارص. ويقول المثل الشعبي: "إذا تأخر المطر عليك بالمستقرضات" والمستقرضات هي الأيام التي سمتها العرب قديماً أيام العجوز وهي: صنّ، وصنبر، ووبر، والآمر، والمؤتمر، والمعلل، ومطفي الجمر. ويعبر المثل الشعبي: "بالمستقرضات عند جارك لا تبات" دليل شدة البرد والمطر الغزير.
شهر شباط يقول المثل: "شباط الخباط بشبط وبخبط وريحة الصيف فيه" بمعنى أنه يمتاز بالدفء حيث تسقط فيه الجمرات الثلاث "جمرة الهوا" في 5 شباط والتي تدفئ الهواء "وجمرة الماء" في 14 شباط وتدفئ الماء "وجمرة الأرض" في 21 شباط وتدفئ الأرض. ويضرب المثل للرجل كثير الهياج ويهدأ بسرعة. ويرى آخرون أن 21 شباط هو موعد سقوط الجمرة الأولى و 27 شباط هو الجمرة الثانية و 6 آذار الجمرة الثالثة. أما المثل "شباط عدو العجائز" فتروي هذه القصة عنه حيث قالت العجائز شباط شبط، وآذار وذرذر، وراح المطر، فسمعهن شهر شباط فأخذ يخاطب شهر آذار) قائلاً: آذار يا ابن عمي أربعة منك وثلاثة مني. (أي بمعنى آخر ثلاثة أيام من شباط وأول أربعة أيام من آذار، فهبت الرياح وهطلت الأمطار مدة سبعة أيام، وجرفت السيول العجائز، فيقول المثل "آذار يا ابن عمي أربعة منك وثلاثة مني ويا ويلك يا عجوز السؤمني". -
(قمح شباط ما بيملي الرّباط (أي أن زراعة القمح في شباط لا يعطي غلة
شباط غيمو وهواه أحسن من شمسه وشتاه
(شباط جر العنزة بالرباط (يمتاز هذا الشهر بالتقلبات الجوية وعدم الاستقرار
(برد شباط بمنع الجراد والقحاط (القحاط، القحط
راح شباط الغدار وإجا آذار الهدار
سرحنا أول شباط عَ زراعة العنبات". (هذا هو الوقت المناسب لغرس العنب والتين "عقلاً" لذلك يؤجلون زراعته حتى يزول البرد وتنتهي فترة سبات الشجر وتنمو أوراقه وتتفتح أزهاره
(مثل شباط بعير وبستعير وبيضل ناقص (بعير وبستعير، يعطي ويستدين
ومن الأدبيات الفلسطينية اقتبس موضوع بعنوان من "وحي شباط" من كتاب خطرات ريفية بقلم المرحوم حسن مصطفى لشهر شباط ظواهر تستلفت النظر، فهو من دون الشهور الشمسية ناقص العدد فكل أربع سنوات يصل بعد جهاد إلى أن يصير 29 يوماً. وما يكاد يسجل ذاك الرقم القياسي حتى يهبط ويعود كالمعتاد. ومالي ولتعليلات علماء الفلك لذلك، فكثيراً ما ارتبكت وتبلبلت مواعيد عينت في (30) من ذلك الشهر. ويظهر أن هذا الشهر عند عقلاء القطط أطول بكثير مما هو متعارف عليه عند علماء الفلك وإن اتفقوا جميعاً على بدئه، فلطالما كانت كثرة مواء القطط نذيراً بقرب حلول شباط الكريم. وعندما يعلو المواء ويستحيل إلى زغردة وتتقطع إلى مفاصل واضحة تكاد تقترب في بعض الأحيان من النطق يكون هذا هو أول الشهر وفق التقويم "القططي" الذي يوافق التقويم "الشمسي" والقط أدرى.. ويظهر أن النباتات الشتوية تشارك علماء الفلك وعقلاء القطط في هذا التقويم. فالفجل واللفت والكرنت وغيرها من أمثال تلك لنباتات تبدأ "الشنبطة" في أول هذا الشهر قد ينمو فيها "طلق" يدعى عادة بلغة الزراعة "شنبوط" يتفرع إلى فروع عدة تزهر بعدئذٍ في الربيع ومن ثم تتحول تلك الأزهار إلى بذور ومن ظواهر هذا الشهر أيضاً أنه خباط" فلا انتظام في أحواله الجوية فقد تسطع شمسه ويصفو بعده ويدفأ نهاره وما تكاد تقول "ما شاء الله" حتى يعصف ريحه وتتلبد غيومه ويشتد برده بدون سابق انذار فيلمع البرق ويقصف الرعد وتهطل الأمطار وسيل الأودية. ولا يدوم هذا أيضاً فتهز كتفيك غير مستغرب وتقول: "هذا شباط ما عليه رباط". وتنسج الخرافات حوله تلك القصة المشهورة في أن بدوية استقلت مطر شباط في عام ما فقالت: "مر شباط الخباط ما بل لا نعجة ولا شعواط" فسمعها شباط وكان في الخامس والعشرين من عمره ولحظ قصر المدة الباقية له فالتجأ لأخيه آذار فاستقرض منه أربعة أيام أضافها على الثلاثة الباقية من عمره فصب فيها كل ما قدر عليه من مطر وبرد وثلج فأروى الأرض وطفحت السيول حتى جرفت ما عند البدوية من حلال وراحت هذه الأيام في الفصول السنوية تدعى بالمستقرضات. أيها الشهر.. لقد صدقَ من سماك "شباط الخباط اللي ما عليه رباط"
ما يقال في الرياح
"الشرقية محراك الشتا"- تهب في أوائل فصل الشتاء وأواخر الخريف وهي باردة جافة وهي عادة تسبق هطول المطر لذا يقال هذا المثل والليالي التي تهب فيها الشرقية غالباً ما تكون غيومها عالية وقليلة والسماء صافية تسمى "كشاف" أو "مكشفة
"الغربية بتجيب المطر والشرقية بتعمي البصر" - وسبب ذلك أن الهواء الغربي يأتي من البحر وهو مشبع بالرطوبة وبالتالي يكون ماطراً أما الريح الشرقية تأتي من الصحراء ويخلو من الرطوبة جاف ويجفف الأرض والزرع وتفرق الغيوم في السماء وتكون سنة مجاعة
"إن هبت غربي، يا سعد قلبي" - لأن الرياح الغربية تكون مشبعة بالرطوبة وقد تمطر
"ما من مطر بلا رياح ولا كون بلا صياح" - تقال عند المصائب
" إن هبت شرقي يا ضيعة ابني، وإن هبت شمالي يا ضيعة عيالي" - يتخوف الفلاح من الهواء الشمالي ويعتقد أنه يطرد المطر وبارد ومضر بالزرع
ما يقال في الغيوم والضباب
"ما يُعقب الغباش إلا الرشاش" - ويسمى الضباب عند الفلسطينيين (الغطيطة) وتكثر في الشتاء وتسمى الغيوم المتحركة "اعريجة" أما الغيوم السوداء الماطرة تسمى "ازريقية" أي أن المطر يأتي بعد الضباب الكثيف
"إن غيّم سماها أبشر بمياها وإن رقطت نقطت وإن درّجت سماها قربت مياها" - تراكم الغيوم فوق بعضها يشير إلى قرب سقوط المطر
"إمشِ عَ غيم كانون، ولا تمش عَ غيم شباط" -
ويقال في نجم اسهيل :
"إن طلع اسهيل لا تأمن السيل لو تالي الليل" - اسهيل نجم في السما) وظهوره مؤشراً على بداية موسم المطر و "طلع اسهيل أوي الخيل". بمعنى الحرص عليها من البرد) - صقعة سهيل بترمي الخيل) بمعنى أن البرد وقت طلوع نجم سهيل يسبب موت الخيل لشدته) -
ما يقال في الثلج
الثلج ملح الأرض و"الثلج سماد الأرض" أي فوائده كثيرة فهو يقضي على العديد من الميكروبات والجراثيم والفيروسات الدقيقة المنتشرة في الأجواء والتربة والثلج لا يؤذي المزروعات كالصقيع الذي يقضي عليها لذا يقول المثل: "إن اثلجت أفرجت" والثلج وفرة في الماء للينابيع والآبار الارتوازية وريّ عميق وهادئً ورطوبة مختزنة للأشجار ذات الجذور العميقة كالزيتون واللوزيات والدوالي
"إذا استرق غيمها أثلجت" -
"يذوب الثلج ويبان المرج "-
وفي التدفئة والوقاية من البرد يقال البرد أساس كل علة" بمعنى من يتعرض للبرد يتعرض إلى الأمراض" -
النار المليحة أخير من المعزب الردي". بمعنى أن النار الجيدة أفضل من المضيف البخيل وقد يكون المعنى أن المضيف السيء إذا قدم النار خير كثير منه" -
مدفاها ولا مرعاها". بالنسبة للمواشي والأغنام في الشتاء يكون المكان الدفيء أفضل لها من الغذاء" -
النار فاكهة الشتاء واللي ما جرب يصطلي". بمعنى أن النار في الشتاء ضرورة كالغذاء" -
أخضر الزيتون ولا يابس الحطب". بمعنى أن حطب الزيتون سريع الاشتعال ولو كان رطباً" -
شهر آذار في المثل الشعبي تناول المثل الشعبي المواضيع الزراعية والمناخ لأن ذلك يرتبط بنشاط زراعي معين ولأن لكل فترة زمنية خصائصها من حيث الأمطار والرطوبة والجفاف وطول النهار وقصره وما لكمية الضوء ومدته آثار مهمة في حياة النبات والحيوان والانسان وشهر آذار حفل بالكثير من الأمثال ذات العلاقة بما ذكر
راح شباط الغدار وإجا آذار الهدار - أبو سبع ثلجات كبار - آذار الهدار أبو الزلازل والأمطار، أو آذار أبو الزلازل والأمطار - آذار أبو الزلازل والأمطار بحمض اللبن، ببرطع الجمل، وبنشف الراعي بلا نار - شتوة آذار أحيت البذار - آذار بحيي الأشجار - (آذار حبل ونيسان تسبل. (بداية الدفء في آذار تشجع على الاخصاب للذكر والأنثى، وفي نيسان نبدأ انعقاد سنابل القمح والحبوب الأخرى - خبي فحماتك الكبار لعمك آذار أو آذار خبيلو فحماتك لكبار - آذار ساعة شمس وساعة أمطار – وآذار ساعة شمس وساعة أمطار بينبل الراعي وبينشف بلا نار - آذار فيه بيحمض اللبن، وبكثر الحشيش، وببرطع الكديش - (آذار مرة شمسية ومرة أمطار ومرة امقاقات الشنار، بتبيض العنقا وصغار الأطيار. (صغار: أصغر الطيور حجماً - الزيتون إذا دفع في آذار حضروا والجرار. (يدل على الاستبشار بجودة موسم الزيتون إذا بدأت أغصانه بالنمو في شهر آذار - الزرع اللي بموتوا آذار، ما بيحييه نيسان - (العنب في آذار قد ذنين الفار (البراعم - (الفول في آذار مثل مخالب الفار (حجم القرن الأخضر وهي كناية عن صغر حجمه - الكرم إذا ما انفلح بآذار، بار - إن أبرز في آذار هبئوا الحرار، وإن أبرز في الخميس هبئوا المفاطيس. (يدل على توقع انتاجية موسم الزيتون، حيث الجرار حجمها كبير والمفاطيس هي جرار صغيرة الحجم إن أمحلت وراها آذار، وان اخصبت وراها آذار - (إن شحت الأمطار عليك بالتخطيط في آذار (تخطيط الأرض - (إن لسّن الزيتون في آذار هيئوا له الزيارة. (الاستبشار بموسم جيد - بآذار بتساوي الليل والنهار (حيث يتساوى الليل والنهار في آذار كما يتساويان في 23 أيلول ويكون أطول ليل في كانون الأول وأطول نهار في 22 حزيران في آذار العجوز ما بتفارق النار - بآذار بيعشش الدوري وبتورق الأشجار - حشيش آذار للشطار، وحشيش نيسان للكسلان - سعد السعود بتمشي المية في العود وبدفي كل مبرود (هذه الفترة من 25 شباط إلى 9 آذار)حيث تدور العصارة في الأشجار وتبدأ براعمهاالخضرية والزهري بالنمو والتفتح سعد الخبايا بتطلع من الأرض الخبايا أو تطلع الحيايا (وهذه الفترة من 9 إلى 22 آذار حيث تزداد درجة الدفء وتبدأ الخبايا بالخروج من الأرض (وهي الأفاعي والخنافس وغيرها (في آذار طلع بقراتك للدار (خوفاً من الزوابع والمطر - في آذار كل بلة بغلّة - كل رعدة بآذار مطرة في نيسان - في آذار لا تبحر لزرعك يا مسكين إلا لما يتوارى الغراب في ورق التين" (دلالة على الحكم على نمو الزرع في شهر آذار (في أول آذار ورقة التين قد ذان الفار متى ما صار ورق التين كف غراب، ازرع حمصك في التراب - وفي آذار افطم ابنك لو أنه قد الشنار (يعتقدون أن الرضاعة بعد آذار مضرة بسبب الحرارة حيث يتخثر (يفرفط الحليب) وتقل قيمته الغذائية قصر الليل وطول النهار -
هذه أبيات من الشعر تقول في آذار وبنفس معنى الأمثال آذار أبو الزلازل والأمطار بتبيض العنقا يدحي الشنار بنبل الراعي ويدفا بلا نار وينادي يا معلمتي كبري الرغفان
ومن مصطلحات الفلاحين الدارجة ما يسمونه "فجوة الرعيان" وهي الفترة الصباحية التي ينقطع فيها المطر وذلك ليتاح للرعاة أن يأخذوا قطعانهم إلى المراعي.
طلب الغيث والمطر: عرفت شعوب بلاد الشام وفلسطين قديماً آلهة للمطر والخصب وكان سكانها الأوائل يتقربون اليها بالقرابين والصلوات من أجل استرضائها لتمنحهم المطر والخصب والخير فالكنعانيون قد عبدوا "عليان بعل" الذي يراقب المطر والمحاصيل وكانوا يقدمون الصلوات لاسترضائه كما عبد الأراميون "حدد" إله الصاعقة والبرق والرعد والمطر والخصب وعند الفنيقيين كانت "بعلت جبيل" آلهة الخصب والتوالد وامتداداً لهذه الجذور التاريخية بقي شعبنا يمارس طلب الغيث والمطر من الله. وحتى يومنا هذا تقام صلاة الاستسقاء في الخلاء والعراء علاوة على المساجد ومقامات الأنبياء والأولياء وتتوسل النساء والأطفال الله ان ينزل المطر رحمة بحالهن وفي أروع وأجمل ما تردد "المغنيات" طلاّبات المطر كلمات تحمل معنى الصمود والتمسك بالأرض ومقاومة الهجرة والاغتراب والرجاء من العلي القدير أن يجود عليهم خوفاً من الاضطرار الى الرحيل طلباً للكلأ والماء وهذه نماذج من تلك الأغاني والمعاني
يا رب بله بله واحنا تحتك بالقله يا رب بل المنديل قبل نرحل قبل نشيل يا رب بل الشالة واحنا فقرية وشياله يا رب بل الشرموح واحنا فقريه وين نروح
يا رب جيب المطر بلل وقايانا من خوف تيجي مطر وترحل ولايانا يا رب جيب المطر وبلل الخرقة من خوف تيجي مطر ونرحل على البلقا يا رب جيب المطر غينه ورى غينه من خوف تيجي محل وتتفرق العيله يا رب جيب سحاب فوق سحاب من خوف تيجي محل ويتفرق الشباب
أما الأطفال فيرددون يا ربنا يا ربنا جيب المطر ببلادنا يا ربنا يا ربنا واحنا الصغار ايش ذنبنا طلبنا اللقمة من أمنا ضربتنا على ثمنا
ولا أزال أذكر في طفولتي في أواخر الخمسينيات حين انبرت إحدى الطالبات تدافع عن تقصيرها في دروسها بأنها مشغولة بطلب الغيث والمطر وهذه مهمة أكثر ضرورة وإلحاحاً من الدراسة والتعليم من وجهة نظرها ومبرراً معقولاً مدعوماً من الأهل
وفي فصل الشتاء يكثر هبوب الرياح الشرقية التي تجفف الزرع حتى الوجوه والشفاه فيرددون
إله الغيث يا ربي خبز يابس في عبي يبسته الشرقية شرقية زولي عنا خلي المطر يصلنا يا الله يا الله يا رب مطرة تيجي حَبي تنسقي زرعنا الغربي
أما النساء فكانت تخرج في المساء ووراءهن الأطفال حيث تحمل إحدى النساء طاحونة يدوية على رأسها وبيدها فول تطحنه وتحمل امرأة أخرى ديكاً تضربه فيصيح وهذا نموذج آخر مما كانوا يرددون: ديكنا يزعق في الليل بده مطر بدي سيل بده زرع يباري الخيل يا ديك يا أبو عرف أزرق يا ريتك في المية تغرق يا ربي ليش هالطولة أكلنا طحينة الفولة يا ربي ليش هالكنة أكلنا طحين كرسنة يا ربي نقطة نقطة تا نسقي حلق القطة يا ربي ما هو بطر بنشحد منك في مطر يا ربي ما هي غية بنشحد منك في مية يا الله الغيث غيثنا جيب المطر واسقينا بل شيبة راعينا راعينا حمد الأقرع لا بشبع ولا بقنع طول الليل وهو يزرع يزرع في قمح كسرى تا يملي خوابينا الله الله يا دايم تسقى زرعنا النايم راحت أم غيث تجيب الرعود ما أجت إلا الزرع طول القاعود راحت أم الغيث تجيب المطر ما أجت إلا الزرع طول البقر
فصل الشتاء في الوجدان الشعبي فصل الشتاء بالنسبة للمجتمع والناس هو عماد حياتهم لأنه فصل الخير والبركة والعطاء وهو فصل الماء التي هي أصل كل شيء حيّ. وماء المطر في فصل الشتاء هو المصدر الرئيس للماء الجوفية والارتوازية بسبب وقوع بلادنا في المنطقة المدارية الجافة. والإنسان الفلاح تربطه علاقة حب عميق بأرضه ومائه فهي أدواته ورأس ماله ومصدر رزقه ومعاشه. وفصل الشتاء ببرده الشديد وكافة الظواهر الطبيعية المصاحبة كالصقيع والثلج والرياح العاتية والغيوم السوداء المتلبدة تحد من حركة ونشاط الفلاح وتحشر الناس في بيوتهم لذا يقولون "الشتا ضيق لو أنه فرج" إلا أنهم يقدرون قيمة المطر في أوقاته المفيدة فتجدهم يقولون عندما يباركون في عروس بهذه العبارة يا ريتها زيت وزيتون وميّة من ميّة كانون" فماء شهر كانون في المربعانية مُقدر ويقيم عالياً لأهميته وكثرة منافعه وفوائده الزراعية لنمو وعطاء الحبوب والأشجار ولتلين التربة حول الجذور والسيقان وقد تكيف الإنسان الفلسطيني مع ظواهر الشتاء ولديه خطة عمل محكمة في كل وقت فإن كان نهار الشتاء قصير فهو يشكل موسم الراحة في النهار الماطر، والسهرات في لياليه الطوال. فيقولون "أطول من ليالي الشتاء" ويستعد الناس لمواجهة الشتاء بالمؤن المخزنة خلال الصيف والخريف من خضر وفواكه مجففه ولحوم مذبلة بالدهن والملح "القاورمة" وأنواع التطالي والمربيات والبقول الجافة والحبوب والزيت والزيتون يطبخون الأطعمة المغذية والغنية بالطاقة والحرارة ذات السعرات الحرارية المرتفعة فيعدون الحلويات، منها "المسفن أو المطبق والعوامة والزلابية والملاتيت وصينية الحلبة والبرازق وبسيسة القدرة المكونة من "الدبس والطحين والزيت البلدي) كما يستغل الفلاحون أيام البرد الشديد وأيام تساقط الثلوج بخاصة لطبخ "المفتول" فيقولون اليوم يوم مفتول" وهي أكلة غنية بالطاقة والمواد المغذية وتحتاج إلى وقت وجهد حتى تُعد تبدأ بعملية فتلة ثم تهبيله وإعداد المرق واللحم والحمص والخضر ومن أسماء المفتول "المرمعون" لأنه كالخرز المستدير ويرمع رمعاً. ويسميه البعض بالمغربية وفي مدينة القدس يسمونه "الكسكون" ولعل للتسمية علاقة أكيدة بوجود الجالية المغربية في القدس ولأن أكلة المفتول أكلة شعبية في فلسطين عامة وفي مناطق زراعة القمح الواسعة كالسهول والسهول الساحلية بخاصة حيث يشكل طبق المفتول طبق الكرم والضيافة والطعام الجماعي في المآتم والأفراح والنذور واليوم تقوم النساء ومطابخ الجمعيات بفتله وتهبيله وتجفيفه وتسوقه محلياً وخارجياً للمغتربين في أنحاء العالم. ومن أغاني الدلعونا حول المفتول ما أحلى أكل اللحمة مع المفتول من دية حُبي زريف الطول مهما عملت عندي مقبول يا أم عيون كحلا والحاجب نونا
ومما يغنيه الأطفال حيث يتواجدون أثناء إعداده فيرددون هبّل يا كور المفتول هبّل وإلا لا هبلت هبّل يا كور المفتول واحنا حوليك بنجول
وما أن تتاح لهؤلاء الأطفال فترة التوقف عن المطر في (الصحو) وتظهر أشعة الشمس حتى يخرج الأطفال في جماعات يتجولون في حارات القرية او ساحات البيوت والأحواش يرددون: شمست شميسة عً طواقي أبو عيشة عيشة بنت البابا تلعب عً الربابة طاح الديك على البستان قطع كوسى وباذنجان
"من أعمال الشتاء "التحطيب التحطيب من أهم مظاهر الحياة الشعبية في فصل الشتاء وقد كان الحطب ولا يزال مادة مهمة للوقود عند الفلاحين خاصة وإن اختلفت طريقة وكيفية التحطيب وجمعه وأدواته في بلطات ومناشير يدوية إلى المناشير الآلية التي تعمل بالديزل كما أنها تقطعه وتنقله الشاحنات وعند الاستعمال كانت المواقد الطينية والحجرية بدل المعدنية والمداخن الحجرية استبدلت بالبواري والمواسير من المعادن كالتنك والألمنيوم الخفيف. إلا أن الأدوات القديمة كانت محافظة على البيئة فهي منها واليها والتدفئة وحرق الحطب صحي أكثر ولا أثر سيء له على البيئة كما هو الحال مع البترول. والتحطيب كانت تقوم به الفتيات والصبايا مجموعات في الصباح حيث يتحدثن عن مشاكلهن وآمالهن وأوقات التحطيب تشكل فرصة للشباب خاصة الرعاة منهم الذين يتحينون الفرص لرعي أغنامهم وأبقارهم في أماكن قريبة من أماكن التحطيب وهو وقت ممتع للحطابات لما فيه من أُنس في الطريق وجلسات مع الرفقة لتناول الطعام في الخلاء وأمل في لقاء عابر مع الرعاة الذين يرددون أغاني ذات معنى يحمل رسائل صوتية وهذه نموذج منها: يا محطبات الحطب خذني معاكن حطب سريس بحطب معاكن شفته في الخلايا ياما بحطب والحنة بداياته يا ياما مرطب أنا بغني وجبيبي بكتب عَ الأبجدية بالبا والنونا سارح بحطب في الخلا الخالي يمشي بتدرج مثل الغزال يا اللي في البلد مالكش مثال اعطف في حبك يا أسمر اللونا
كما تهدهد الأمهات لبناتهن يا بنات يا بنات يا اللي من الحطب جايات والمطر عليكن رش والكعاب محنيات
ومن أغاني الأطفال في الحطب المرتبط بالشتا والبرد فيقولون
احي احي يا بردي قصفت حطب ما عندي يا رب تشتي يا رب خلي العجايز تنضب مطرت الدنيا مطرت على العجوز الي خطرت والعجوز طلعت في الليل حسي حجولها رنين الله يطول شيبتها وانبلت عصبتها ولعل تأثر العجائز بالبرد يجعلها محور هذه الأغنية
كما يردد الأطفال عندما يرون جدهم عائداً إلى البيت يحمل "قرامي" الحطب الكبيرة لتدفئتهم فإنهم يتحلقون حوله يداعبونه في براءة الأطفال وبقصد إزالة التعب عنه: امطري وزيدي على قريعة سيدي سيدي في المغارة قتل قط وفارة سيدي في البرية بطبخ لبنية
والعجوز المسنة والشيخ الهرم في العائلة الكبيرة الممتدة له دور فعال في قيادة الأسرة والأبناء وزوجاتهم وأحفادهم والأطفال يتواجدون مجموعات لذلك كانت لهم قيمة شعبية خاصة كما أن الاحترام والتقدير لكبار السن واجب وهم مصدر لبعث الحنان والترابط الأسري والتعاون البناء في العمل والإنتاج والشتاء يجمع المجموعة الكاملة.
شخصية الموسم وقد اخترت هذه القطعة الأدبية بعنوان الحطاب من كتاب شخصيات للمفكر والأديب الفلسطيني حسن مصطفى والصادر قبل النكبة ويعلق عليها الأستاذ علي الخليلي في مجلة الفجر الأدبي الصادرة في الثمانينيات قائلاً: "نلاحظ في هذه المقالة اهتماماً شديداً بالتراث الشعبي الفلسطيني من مثل وقول سائر وحكاية..الخ، إضافة إلى أن اختيار الشخصية ذاتها "الحطاب" والكتابة عنها، هو بالتحديد، موقف تراثي، يكشف عن فكر الكاتب نفسه، ومعنى التزامه بالتشبث بالأرض، ورعاية تطلعات طبقة فقراء الفلاحين في صراع واضح، يتمثل شقه الأول في التصدي الوطني للغزاة، وشقه الثاني في التصدي الطبقي ضد الإقطاع وضد البرجوازية الوليدة. أما الصياغة الفنية لهذا الفكر لاجتماعي، فيشملها بشكل حاد أسلوب ساخر جريء يحاول أن يجعل من "النكتة الشعبية طريقاً إلى قرائه إلى نشر فكره بين أوسع الفئات. ولعل هذه الكتابة الساخرة ذات أهمية كبيرة بخاصة ونحن نفتقر اليها في أدبنا الفلسطيني، ونحاول الآن، في نفس الوقت أن نعزز هذا الأسلوب الفني في مواجهة كل حالات القهر والعذاب.
الحطاب تطل عليك هذه الشخصية ايها القارئ، لتشعرك بالدفء أو بالبرودة، وهي في كلتا الحالتين تذكرك بأثرها في تقديم أطيب فاكهة لموسم الشتاء ألا وهي النار. يقول المثل العامي المشهور: "فرخ البط عوام، وابن الحطاب المقمقش لجده رحمه الله تعالى. ويسهل عليك تتبع هذا النسب الكريم ان كنت ممن يحرصون على تتبع الأنساب. "والقمقشة" هي الفترة التدريبية الأولى في فن التحطيب، حيث يعدو الطفل وراء أبيه يلتقط أعقاب الحطب مما خف حمله وسهل اشتعاله. ولا تنتهي هذه الدورة إلا عندما يقوى ساعد صاحبنا على حمل البلطة واستعمالها برفق وذوق معاً. وفي هذه الفترة يطلق عليه لقب حطاب. وهنا لا بد من وقفة قصيرة ننفي فيها عن صاحب هذه الشخصية تهمة – طالما لصقت به حتى صارت من البديهيات المتعذر نفيها، وهي أن الحطاب يهوي بفأسه كما يشاء هو أو كما تشاء هي. والحقيقة أن الحطاب أرفق الناس بالنباتات، حتى لو جاز للانسانية ان تتطور فتنشئ جمعيات للرفق بالنبات لكان الحطاب أجدر الناس بالانتساب اليها ان لم يكن صاحبها. فهو أعلم الناس بما يصلح للوقود وأعلمهم أيضاً بما هو أضمن للنمو. ينظر الى العود نظرة الجاني للثمر، فلا يقطع من الشجر إلا ما يستحق القطع إن لم يكن لكرم في خلقه، فلضرورة تتطلبها النار. ولا يبقي في الشجرة إلا العنصر الحي النامي – إن لم يكن لنبل في إحساسه، فلضرورة تفرضها المهنة تمهيداً للمواسم المقبلة. فهو إذن بريء من هذه التهمة إما بالاختيار وإما بالإكراه. وقد يسعف الحال صاحبنا فيرتقي في مهنته إلى رتبة أعلى، من حيث التعقيد في المهنة وما يتبع ذلك من زيادة في الدخل والأهمية، كأن يصبح صاحبنا فحاماً فينتقل من دور القطع إلى دور التصنيف. وفي هذا ما فيه أيضاً من العناء ولكن فيه من الدغدغة لغروره ما يطربه، كأن يحس بأنه حارس على باب من أبواب النار الصغرى وهو يزج في مطمورته (القرامي) زرافات ووحدانا إلى طبقات جهنمه الصغرى (المفحمة)، وقد اسود وجهه وساعداه ولمعت عيناه وأسنانه فبدا كأنه مارد من مردة النار خرج منها ليتهوى ويستبرد أو كأنه فحمة بشرية لم تحترق بعد، فيا أيها القارئ الدفيء الكريم؟ إن كان وقودك في بيتك فحماً تتلظى ناره في الموقد وعينك تداعب الجمر ولا تخشى من دخان يدمعها، وأنت وأهلك حول الموقد في دفء تتسامرون، فقل عندئذ "بيض الله وجه الفحام".
ولا تنس عندما تشعر بالدفء وتتلذذ بطيب فاكهة الشتاء أن "المقمقش) والحطاب والفحام قد أدوا رسالتهم وهم لا يشعرون ولسان حالهم يقول: "الغصن الحي النامي للايراق والأزهار والثمر، والجذع المسوس للقطع والحشر والنار." ولا تنس أيضاً، ما دمنا بصدد الشخصية والشخصيات، أن تحتاط لنقاط الضعف في شخصيتك. فالحطابون في غابات البشر كثيرون، (وحمالو الحطب) أكثر ويا ليت في جيدهم حبل من مسد، يتخذون من الأطباع المسوسة وقوداً لنار أحاديثهم اللاذعة أو مفحمة يسودون بها سمعتك. فاحتط لنفسك قبل أن (يحطب عليك) الغير. ولكن قل معي ومع الشاعر: فنذل الرجال كنذل النبات فلا للثمار ولا للحطب
موسم الأمطار الفصلية الشتوية ما بين الماضي والحاضر
يعبر المثل الشعبي القائل "من قلة اهدانا انقلب صيفنا اشتانا" عن حالة تجاوز مدة التساقط للأمطار عند حدها المألوف، والمعتاد والطبيعي من حيث التوقيت، فتنزل الأمطار المتأخرة أو الأمطار الربيعية، في فصل الصيف. حيث ينتج عنها هخراب المحاصيل والثمار الصيفية، التي تكون بحاجة إلى الحرارة العالية، مع الندى الصيفي فقط لكي تنضج ولا تحتاج إلى هطول الأمطار. وفي مثل هذه الحالة تعتبر من الحالات والسنين الشاذة والمؤذية إلى حدٍ ما. وعندما كان يُقبل المطر ولا يتساقط كانوا يعبرون عن ذلك بقولهم "رحمة الله تتدلى وترتفع" "الله يرحمنا برحمته". وقد يحصل أن تتعاقب سنين القحط لعدة سنوات مما يزيد الأمر سوءاً، وفي السنين الشواذ يتركز المطر في أول السنة ويحدث الجفاف في آخرها، وفي البعض الآخر يحص العكس. وفي بعض السنين يتركز المطر في أول السنة وفي آخرها ويحلو من وسط السنة التساقط والهطول، وهذا أيضاً سوء وشذوذ في توزيع الأمطار الثلاث المعتادة في فلسطين وهي الأمطار 1. المبكرة او الخريفية، 2. والأمطار الفصلية أو الشتوية، 3. والأمطار المتأخرة أو الربيعية. إلا أن المثل الشعبي القائل "ساعة من ساعاته تقضي حاجاته" يدلُ على أن المطر الغزير الذي يمكن أن ينزل في أيّ وقت من هذه الأوقات المطيرة الثلاثة يسد الحاجة ويعوض النقص وإذا تضرر نوع من الزرع كالحبوب، تنتفع الأشجار. أو يرتفع منسوب الماء الجوفية وتتفجر الينابيع لريّ الأحياء كافة. وكان مخزون الماء الجوفية يبقى خزيناً دائماً لمثل هذه السنين العجاف لا يتعرض للسطو والسلب والنهب من باطن الأرض أو سطحها كما هو الحال اليوم. ولم تعهد الذاكرة الشعبية أن ينقلب الشتاء صيفاً بلا أمطار مع غياب ظواهر الشتاء الطبيعية وحضور ظاهر الجفاف وارتفاع درجة الحرارة نهاراً والبرد القارص ليلاً وغياب الغيوم السوداء في السماء أيّ "كشفا" وزيادة مدة الإشعاع الشمس في النهار الشتوي. لقد اختزل فصل الشتاء وهذا ينبأُ بالتالي إلى اختزالٍ لفصل الربيع الذي يليه لأن الربيع نتيجة حتمية لحالة الشتاء حيث يقولون "الربيع ابن الشتاء" وهذا كله يؤشر إلى أن اختلالاً كبيراً في التوازن البيئي قد حصل. ويعزو العلماء ذلك أن الإنسان المدمر للبيئة. هل للعلماء أن يدرسوا مدى الآثار السلبية على البيئة والمناخ والأحياء من جراء العدوان الغاشم وبالكم الهائل من القنابل الفسفورية والحرائث اللهابة على قطاع غزة خاصة وعلى المنطقة عامة، ومدى مساهمتها في ارتفاع الحرارة وانحباس المطر. وإذا جاء المطر، كم سيساهم في التلوث الكيماوي بإذابته لمواد الحرب المبيدة للحياة والسلامة والفطرة عندما يساهم في توصيلها إلى جوف الأرض. علاوة على ما سبق ودفنته من نفايات سامة وخطرة في خان يونس وجنين ومدخل قلقيلية، وفي قرى جنوب الخليل خاصة بلدة الظاهرية حيث كشفت التحقيقات عن تسرب الإشعاعات النووية من مكب النفايات كما ظهرت آثار هذا التلوث على الأجنة المشوهة في بطون الأمهات الغزيات في منطقة حالة مفرعة قبل الحرب المدمرة الأخيرة التي ستزيد الطين بلة وتفاقم المشكلة. إن أمراضاً خبيثة وأمراضاً جلدية وتنفسية يشهدها الأطباء اليوم يعزونها إلى الجفاف. وقلة الرطوبة، والتلوث، المسبب للتحسس، وقلة الغذاء المحلي الكافي والفقر المدفع، الناتج عن غياب الزراعة المحلية، التي تسد حاجة الناس، وتبعدهم عن التبعية، والاعتماد على عدوهم ومحتلهم، الذي يلاحقهم في لقمة عيشهم ويزيد في اقفارهم. لا يخلو الزمن من سنين عجاف يقل فيها الخير والمطر ولكن السنوات الأخيرة ضربت رقماً قياسياً في قلة التساقط والتكاثف للمطر، والثلوج، والبرد، حتى الندى الشتوي المسمى "إصبيب" بات معدوماً. ويرجع هذا كله إلى تأثير التغييرات المناخية والانحباس الحراري العالمي الذي انتجته دول العالم الصناعي المتحضر في استخدامها للبترول والطاقة في الصناعات الثقيلة ونواتجها من النفايات والملوثات للبيئة والماء والهواء. فهم يتنعمون ببترولنا العربي ويتحكمون في اقتصادنا ونحن نشقى ونعاني من الآثار السلبية على حياتنا وبيئتنا. ها نحن في نهاية المربعانية ولم نشهد المطر ويتوجه الناس إلى الله عز وجل بصلواتهم يطلبون المطر. فنقص الماء في المنطقة كارثة بيئية وحياتية واقتصادية ومشكلة مقلقة لمجتمع يقبع تحت الاحتلال. لقد كان عام 2008 قاسياً وهذا عام 2009 نرجو أن تجود علينا خمسينية الشتاء بما يكفي حاجتنا للماء وتعويض النقص وأعان الله المجتمع الفلسطيني على حفظ موارده ومقومات حياته وبقائه (الماء والأرض(. فقد ضم جدار الفصل العنصري العديد من ينابيع وأحواض المياه لتشكل جدار الأمن المائي بالنسبة لإسرائيل بما فيها الدول المعتدلة والمتعاهدة معهم والتي تشكو العوز والفقر المائي والجفاف كالأردن.